ثعبان

لم أسرع بقتله حين انبعث من بين أنقاض البيت المقصوف ، ولاذ بالعشب الذي أيبس الصيف بعضه تحت  سلك السياج الشائك الذي يحدق بكرم الزيتون في جنب الطريق الشمالي . درجت من صغري على قتل الثعابين صغيرة أو كبيرة بما يقع في يدي لحظة لمْحَتِها من آلات القتل ، وغالبا ما كانت الحجارة والطوب الصلب إحدى هذه الآلات . ولي مهارة يعجب بها الجميع في إصابة ما أقذفه منها بحجرة أو بطوبة . حتى الطيور على حذرها وسرعة ابتعادها عن الخطر قاست من سطوة تلك المهارة . ومرة فصلت رأس حمرية في فرع جميزة فتية بكسرة فخار، شِقْفة . وتعددت استعانة الجارات بي إذا لمحت إحداهن ثعبانا  أو اكتشفت أثر انسيابه قرب بيتها . وقتل مرة مزارع  ثعبانين وجدهما متعانقين في جحر أثناء حصده قمحه ، أنثى وذكر، ورماهما على الطريق ، فنسب قتلهما فورا إلي . ما  أسهل قتل الثعبان الذي انبعث من انقاض البيت الذي قصفته طائرة إف 16 إسرائيلية في عدوان صيف 2014 على غزة ! لا يزيد عن  طول مسطرة . أقذفه بحجر من حجارة البيت المقصوف التي شق السائرون على قلتهم مسربا بين ما انهار منها فوق الطريق ، فيتلوى بعد إصابته، ويعجز عن متابعة فراره ، فأجهز عليه بحجرة أخرى في حرية واطمئنان . نبذت هذه المرة ما ألفته من قتل الثعابين . باغتني صوت داخلي يقول : كفى موتا ! كفى قتلا حتى للثعابين !

كان الثعبان بلونه الرملي الجانح لحمرة قليلة المخلوق الوحيد الذي صدفته في الطريق . لا أدري أين ذهبت  الطيور صغيرة وكبيرة . لا ريبة في أنها فرت بروحها إلى ملاذات خالت أمانها وسلامها فيها ، ولم أرَ منها سوى غرابين على عمود محول كهربي بعيد عن البيت المقصوف. أهل المنطقة فروا مثلها . كيف أقتل مخلوقا صار ثانيا لي في الطريق المخوف الموحش الذي كان قبل الحرب ينبض حياة بالسائرين والراكبين ؟! جالت نظراتي قلقة في السماء . فيها طائرة بلا طيار (زنانة) ، وفيها هدير لطائرة إف 16 . كلتاهما تبحث عن فريسة . أوسعت خطوي حتى لا تتخذني الزنانة فريسة . في لحظة كثافة عصف الموت حولنا يفاجئنا شعور غريب بعظمة نعمة كوننا أحياء ، ونستفظع أن نُنسخ من سجل الحياة بمسة إصبع  لزناد  بندقة ، أو بكبسة على زر صاروخ من قاتل اقتنع أن حياته في موتنا .

                                      ***

إذ علت موجات الحر هذا الصيف ، في وقت يماثل وقت عدوان 2014، هاتفتني خالتي أم سلامة ، وبعد سؤالها عن حالي وحال أمي وحال بقية الأسرة ، أخبرتني أنها لاحظت أثر انسياب ثعبان كبير عند حظيرة دجاجها ، ونفذت فورا إلى مرادها : بالله تعال يا ولد أختي ، وريحني منه الله يريحك !

وسكتت  ، وتابعت ضاحكة ضحكة رقيقة : ويعوضك  عنها ، من صبر نال !

فأخبرتها راغبا في الإيجاز أنني أقلعت عن قتل الثعابين نهائيا منذ الحرب الأخيرة .

فسألت مندهشة : مالك يا عمر ؟! ما دخل الحرب في قتل الثعابين التي تؤذي الناس وغير الناس ؟!

فأجبتها بأنني سأشرح لها كل شيء حين أزورها في العيد ، وسمعتها تقول لمن عندها قبل أن تغلق هاتفها : هو ولد أختي انجن !

ورد صوت امرأة : ممكن حدث له شيء بعد زواج كاملة ! ما دخل الثعبان في الحرب ؟!

وسوم: العدد 677