غيوم

عصام الدين محمد أحمد

الأقراص تُبحلق في وجه الشمس، الأرض مُلطعة بالبوار والأملاح رغماً عن الزواريق، في حضور عمي يسكُت الجميع، لا حس ولا نفس، بل صمت مُصطنع، يكبلنا شيء ما ، لا أجد له تعريفاً، بل قـُل: احترام موروث، يقلع الجلباب عن عود ضامر، هيكل ربته الأرض بالعظام، يختبيء خلف فانلة واسعة وسروال فضفاض مُدكك بالدوبار الغليظ، يتلو همس الكلمات، لا تستغرقه التلاوة طويلاً، ينظُر إلينا، ننظُر إلى الأرض في خفوت، تتدثر الأرض بالنظرات، في صمت القبور يُـقلد سامي أباه، حبة فول انشطرت نصفين، يتحركان في همة، وبيد كل منهما منجل، يحدد لي مهمتي بصوت أخذ في الابتعاد، يختبئان بين الأعواد، حفيف مروقهما يقطع السكون، بشكاير الكيماوي الفارغة أفرش الجرن، الريح تشلح المفارش في مجون، أثبت أطرافها بالأبليز، أجتز المواويل، صوته يُلاحقني :

يا ولدهم .أكُب المقاطف المليئة بالأقراص، أنسل ما بين العيدان كالقرد. أركُض خلفه كالجواد، تلحق بجسدي جروح طفيفة، كالرهوان يتنقل بين السرائب، تذبُل أنفاسي، يصطلي الجسد، يسقع الهواء زئيره يرُجني ...بسرعة يا خرع :تبور نبراتي :

مالي وهذا الشقاء !!

يقعُدني زعيقه المُتتالي، يُقاسمني عوض الشغل، البنات تلتف حول الجرن . عصا في يد كل منهُن، صاخبات بضحكهن، مُتشققات أياديهن ، تنفض الأقراص، تحلب اللب، قـُرص السماء زمهُر، ولم يكل، يداه كذراعي آلة، الأعواد الخشنة المُتداخلة لا تعوق حركته، غلبناه، على بُعد خمس قصبات ننتظر، نتلاعب بالمحش، نتباعد نتلاقفه في حذر، تتهامس البنات، تنثرن الأمنيات، تلتقطها العصافير وتطير، وفوق ربوع القرية تحُط وتطير، ومع الكركرات تكبسن ( التلاليس) باللب، انزلق المحش من يده، انغرس في ركبته الجافة، عوى، اخترق صراخه الضلوع، يخطو عمي القراريط دُفعة واحدة، ألجمه مشهد المغروس، تصلبت مبهوتاً، وبجفوة شد المحش، تقلقـُل كياني، دارت بي الأرض، الجرح غائر، عصره، الدماء تسيل مصحوبة بفتافيت اللحم، خلع فانلته، ربط الجرح، أنامه في ظلال الأعواد، تهرب الدماء من وجنات البنات تكتمن البكاء، قذفني وجسده ينتفض:غور يا واكل ناسك .اعتصرني الكون، تنمل البدن، ما الذنب بذنبي ! !السم يغسل كل أعضائي، وبالخيبة تغرورق عيناي، أفر، أضرب الهواء بيدي، أركله، أرديه قتيلاً، وفي شونة القصل اختبئ،  أتكوم في الظلام، غرب القـُرص فزادت الظُلمة ظـُلمة، القصل جاف يشوكني، أتململ يميناْ ويساراً دون فائدة، اللهاث يرُجني، أغمض عيني للتخلُص من الظُلمة، أتسمر مطرحي، هدوء، ثم خوف ثم يلتفون حولي، يدقون الدفوف، يرقصون كالطيور الذبيحة، بأياديهم شموع، يصطخبون، يد تشيلني وترزعني، ويد تفقأ عيني، كل واحد يمسك بطرف، وتنفضني العصى، يقرعون الطبول، يتجردون من ملابسهم، ينز جسدي الخلايا، أسنان تنغرس في قشرتي، في رقبتي أظافرهم، تفح نبرات واهنة :لا …. لا…..صوت يرتج في الظلام الحالك، يدفع الباب بجسده الناحل، يصفق الحائط الباب، يلتقطني بيديه المعروقتين، يمتزج النحيب والدموع، صوته يحتوني .الله أكبر .

 تمت بحمد الله

وسوم: العدد 678