عندما تنجلي الفتن

صحا حسام من نومه مبكراً وانطلق إلى عمله منشرح الصّدر بعد إرهاق يوم عمل سابق ، وكلما رأى في طريقه طـفيـّليـّاً تَـجَنّـبَهُ بلباقة ولطف ، فما أكثر المتطفلين والجهلة واللصوص في هذا الزمن ، وما أكثر من يظنون أنهم مظلومون وهم ظالمون .

كان الطقس جميلاً في خريف هذا اليوم ، وكان ينظر من خلال النافذة إلى الشّمس بشوق وأمل  ؛ لكنّ اليوم كساعة سرعان ما ينقضي .

أثناء عودته من العمل قابل صديقا لم يره منذ عقود ، وكان الزمن قد ساوى بينهما في ما سلب من جمالهما ، وفي ما وهب ، لكن ما زالت روح الدعابة فيهما هروباً من مرارة الحياة وقسوتها .

سأله حسام بعد ما تعانقا : أين أنت يا رجل ، وماذا تفعل هنا ؟

أجابه : أنا هنا أمامك ، وأعانقك . ضحكا معاً وعرّجا على بيت حسام لاحتساء القهوة المُـحلّاة بالحديث .

قال حسام : نتشابه حتى في الأسماء يا صديقي وسام ماذا فعلت بعد شهادة الثانوية العامة ؟

أجابه وسام : تخصصت في دراسة التاريخ ، وكما تعلم كنت متفوقاً في هذه المادة وأعشقها ، ففي التاريخ عبرٌ وحكمٌ ، ومن يدرس التاريخ كما سمعتُ فكأنه عاش عُمرين وأضاف إلى  عمره عمر من سبق من أجيال وعاش معهم واتّعظ من سيرتهم .

 قال حسام مبتسما ومعجباً : ما شاء الله نِعْمَ التخصص ؛ لكني تخصصت في الهندسة والبناء ، وأشتري الكتب وأقرأ منها ما أشاء ، ولو أنني تخصصت في علم الإجتماع أو الطب لكان أفضل وأنفع بسبب الأمراض الإجتماعية والمشاكل التي نعيشها في هذا الزمن ، فالناس ليسوا كما كانوا أيام طفولتنا ولا يحتملون النصيحة ويتشاجرون لأتفه سبب ، ويتخاصمون لشهور وربما لسنوات ولا يوجد بيت إلا دخلته المشاكل والفتن .

قال وسام : صدقت ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وبما أنك ذكرت الفتن ما أخبار جاركم الفارسي الذي كان ابنه يشعلُ الفتن بين طلبة الصف أثناء الدراسة بتحريضٍ من ابيه ؟

قال حسام : أما زلت تذكره ! لقد مات منذ سنوات ودفن في مقبرة القرية .

قال وسام مداعباً : أما  زال في مقبرة القرية ؟

أجابه حسام : لا ، فقد نقله الأموات إلى بئر سجّين في اليمن في العزل الإنفرادي .

ضحك الصديقان وودّعا بعضهما وقد تواعدا بمشيئة الله على اللقاء قريباً بعد انجلاء الفتن .

وسوم: العدد 691