عبدالله بن الزبير
جلس الأستاذ (سعيد) على كمبيوتره الخاص ينقل بعض محاضراته من الورق إلى الكمبيوتر كي يحتفظ بها في ملفات ويتخلص من كمية الورق الكبيرة المتجمعة في مكتبته .. ولما أنهى مهمته بنجاح تنهد براحة كبيرة ، ثم نادى لابنته (منار) التي سمعت نداءه فلبته مسرعة وهي تقول :
ـ أمرك بابا ..
قال لها (سعيد) :
ـ خذي يا بنتي هذه الأوراق وضعيها في كيس بالقرب من (منقل اللحم) حتى نحرقها غداً الجمعة عندما نشوي أن شاء الله ..
سألته (منار) :
ـ أليست هذه أوراقك ؟ فلماذا تحرقها ؟
قال الأب :
ـ هي أوراقي وقد دونت ما فيها والحمد لله في جهازي الخاص ، أما لماذا نحرقها ؟ فلأنها مليئة باسم الجلالة والآيات القرآنية والأحاديث الشريفة ..
سكتت (منار) برهة ثم قالت بمرح :
ـ حاضر بابا .. هاتها لو سمحت ..
ناولها والدها الأوراق ، وأخذت تقفز من على الأرض قفزاً مرحاً ، ثم اختفت في غرفتها ..
قال لها أبوها بصوت مرتفع حتى تسمعه :
ـ هي في عهدتك .. وسأسألك عنها غداً إن شاء الله ..
في اليوم التالي بدأت الأسرة تجهز أغراض الرحلة وقام الأب والأبناء بحمل الأشياء الثقيلة إلى السيارة من أجل الرحلة والاستمتاع بالمناظر الخلابة والصحبة الحلوة مع الأهل والأحبة والتلذذ بطعم الشواء الرائع ..
وبعد أن وضعت الأسرة متاعها وبدأ الأب وولداه (معاذ وعلي) بتحضير النار للشواء ، تذكر الأب أوراقه وصار ينادي على (منار) :
ـ يا منار هات كيس الأوراق يا حبيبتي ..
وهنا علت ابتسامة حيية محيّا (منار) وسكتت لا تعرف ماذا تجيب .. قال الوالد :
ـ نسيت الأوراق يا منار ؟ سامحك الله ..
قالت منار ببراءة :
ـ لا لن أنساهم .. ولكني .....
سألتها أمها :
ـ لكنك ماذا ؟
قالت بحب :
ـ أنا أحب محاضراتك يا والدي فأردت أن أحتفظ بها لنفسي وخفت أن أقول لك ذلك فتجبرني على إتلافها ..
ابتسم الأب بحب وحنان واحتضن (منار) إلى قلبه وصدره .. ثم قال مستركاً :
ـ هل تعرفين قصة شارب دم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قالت بتعجب :
ـ شارب الدم ؟؟ لا لا أعرفها ..
وبدأ الأب الحنون يسرد القصة :
ـ في أحد الأيام يا صغيرتي اشتكى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ألماً في رأسه ، فاحتجم رسول الله وسالت منه بعض الدماء وضعت في قارورة زجاجية .. فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم (عبدالله بن الزبير) وكان غلاماً صغيراً في ذلك الوقت وطلب منه أن يذهب بعيداً ويدفن القارورة في التراب بعيداً عن الناس والدواب .. ولكن (عبدالله بن الزبير) لم يفعل ذلك أتدرين يا منار ماذا فعل ؟
قالت منار بتشوق :
ـ ماذا فعل يا بابا ؟
قال الوالد :
ـ لقد اختبأ في مكان ما وشرب دم رسول الله الطاهر عليه أفضل الصلاة والسلام .. ولما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القارورة والدم فقال :
ـ لقد وضعته في مكان لا يعرفه أحد ..
ابتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وقال : شربته ؟
قال عبدالله رضي الله عنه :
ـ إني شربته ، لأزداد به علماً وإيماناً ، وليكون شيء من جسد رسول الله في جسدي ، وجسدي أولى به من الأرض ..
قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ـ أبشر ، لا تمسك النار أبداً ، وويل لك من الناس ، وويل للناس منك ..
ذكرتيني به يا صغيرتي ما فارق التشبيه بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وغلامه رضي الله عنه وبيننا نحن الفقراء إلى الله ..
احتضنت (منار) والدها بحب وطبعت على خده قبلة حب وإعجاب وتقدير .. ثم نهضت تركض وتلعب ..
وسوم: العدد 693