ضيافة الشام العريقة
لك الله يا شآم
قال الشيخ الطنطاوي رحمه الله : قابلنا وزير العدل في القاهرة وكان أول ما قاله بعد السلام والترحيب بِنَا، أن سألنا عن رجل من الشام اسمه الشيخ أبو الخير الفرا، آي "الفراء"
فخبرناه خبره وعجبنا من سؤاله عنه ورأى العجب على وجوهنا
بادياً، فقال : أنا أخبركم بسبب سؤالي عنه !!
يقول : قدمت دمشق في العشرينيات من هذا القرن فنزلت فندقاً في المرجة، وبعد أن تجولت في البلد، وصعدت إلى المهاجرين على سفح جبل قاسيون، رأيت دارًًا مفتوحًا بابها وأمامه رجل على كرسي،
فأعجبني المكان ومنظر البلد والغوطة من حولها وسألت الرجل : أليس هاهنا فندق أنزل فيه أيامًا ..!!؟
فقال : بلى ألا ترى الباب مفتوحاً فتفضل، ودخلت فأعطاني غرفة ما ارتضيتها
فقلت أريد خيراً منها، فأعطاني غيرها فرضيتها وسألت عن الطعام فقال : أطلب كل يوم ما تريده !!
قال الوزير : ونزلت عنده ووجدته فندقاً مريحاً والنزلاء قليلاً والخدمة جيدة وكان يسألني كل عشيّة : ماذا تريد أن تأكل غداً، ويعدّد لي الألوان الشامية فاختار منها ما أريد، وطاب لي المقام ولم يكن لي في مصر عملٌ يستعجلني فلبثتُ عنده 25 يوماً أطلب فأجد وما وجدتُ تقصيراً ولا احتجتُ إلى شكوى !!
ثم قرّرتُ السفر فقلتُ له : أنا مسافر غداً !!
قال : بالسلامة إن شاء الله، وإنْ كنّا نؤثر أن تطيل الإقامة عندنا
قلتُ : أتمنّى ولكن آن أوان الرحيل.
قال : كما تريد.
قلتُ : أين قائمة الحساب ..!!؟
فضحك وقال : الحساب يوم القيامة، ونسأل الله أن يجعله يسيراً.
قلتُ : إنما أعني حساب الفندق.
فضحك وقال : أي فندق، أتراني من أصحاب الفنادق، إنما هي داري، وقد نزلتَ عليَّ ضيفاً كريماً، فهل تأخذون منِّي إنْ زُرتكم أجرة المبيت وثمن القِرى ..!!؟
فجرّبتُ معه كل وسيلة فما أفلحت، فدعوته أن يشرّفني بزيارته في مصر، فوعد
وبعثتُ إليه بهدية من مصر، فقبلها ورَدَّ عليَّ بهدية أغلى منها، وكتبتُ إليه مرات أطالبه البر بوعده وزيارتي، فمضت 40 سنة وما جاء مصر ولا رجعتُ أنا إلى الشام !!
لكِ الله يا سورية، ولكم الله يا أهلها
وسوم: العدد 708