هروب أسد
حديقة الحيوانات الوحيدة المطلة على تلك المدينة الكبيرة وارداتها لم تعد تغطي نفقاتها , غضب المالك كثيرا من سكان المدينة , فبعد ان شجعوه على إقامتها و تشيدها ملئها بمختلف انواع الحيوانات أداروا ظهورهم لها , وتوقفوا عن زيارتها , لذا قرر المالك ان ينتقم منهم , في الليل , توجه نحو قفص الاسد , تسلقه , ثم فتح الباب , انطلق الاسد مبتعدا بعد ان وقف على عتبة الباب متأملا مستنشقا نسيم الحرية , لم يكن هناك بد الا ان يدخل المدينة , كي يخرج من الجهة الثانية , ومنها الى الغابات .
شاهده الناس يتجول في الشوارع , يزأر هنا ويمشي هناك , أبلغوا الشرطة , بل توالت البلاغات من الناس على الشرطة كما المطر , بدورهم انطلقوا نحو مكان كل بلاغ , فلم يجدوه , لأنه يتنقل , سرعان ما يغير مكانه , يدخل من شارع ليدخل في الاخر , الا ان حوادث اعتداء على بشر لم تسجل بعد .
وقف في تقاطع طرق , أخذ شهيقا عميقا , حلل ذرات الهواء في مختبره الطبيعي , كأنه يبحث عن رائحة شخص ما يود الانتقام منه , حالما وجد ما يرشده انعطف الى اليمين , سرعان ما وصلت الشرطة الى ذلك التقاطع , لم يجدوا الاسد , فانعطفوا الى اليسار .
دب الرعب في سكان المدينة , تحت وطأ مكبرات الصوت مطالبة اياهم بملازمة المنازل ومحذرة اياهم بعدم الخروج الى ان يتم اعتقال الاسد او قتله ان دعت الظروف الى ذلك , عم الصمت والسكون في المدينة الكبيرة , وتوقفت الحركة في الشوارع , يختلس السكان النظر من نوافذ المنازل , علهم يرون الاسد في الشارع فيبلغون عن مكانه , توالى المزيد من البلاغات الى مركز الشرطة , كثيرا من البلاغات كانت متضاربة , متناقضة , بعضها يشير الى ان الاسد في الجنوب , بينما بعضها يشير الى انه في الشمال , وبلاغات اخرى تؤكد وجوده في الشرق , احتار الشرطة في امرهم , رغم تجوالهم المتكرر لم ير احدا منهم الاسد .
الفزع زاد حده , ما حدا بكثير من السكان الى الابلاغ عن كل قط يرونه على انه اسد , حتى أشرقت الشمس , جالية الظلام , كاشفة وجه المدينة بأشعتها , خرج الناس من البيوت , تجمعوا امام مركز الشرطة مطالبين بتحميل مالك الحديقة المسؤولية كاملة عما حدث , لكنه تملص من المسؤولية ملقيا اللوم على الحراس والعاملين في الحديقة , مبينا تقصيرهم في اداء واجباتهم , زُج الحراس وعمال الحديقة بالسجن , بينما احتفظت الشرطة بمالك الحديقة في مكان آمن تحفظا عليه من الشعب الغاضب .
مرّ يومان دون ان تسجل أي حوادث , عاد الناس الى رشدهم , وأخذوا يعودون الى نشاطاتهم الليلية تدريجيا , الا ان حاكم المدينة الفاسد قرر ان يستغل الوضع لصالحه , أرسل ضباعه من المرتزقة ليفتكوا بسكان المدينة وثرواتهم , قتلوا شخصا ما شر قتلة وحرصوا على ان يظهروا ان المغدور قد فتك به حيوان مفترس , فعاد الذعر والهلع الى السكان , وتحصنوا في بيوتهم مرة اخرى .
تصدى حاكم المدينة الفاسد للأمر , معلنا تبنيه الكامل للقضية , نزل يجوب الشوارع مع رجال الشرطة مرتديا زيا خاصا برجال المهمات الصعبة وحاملا بندقية باحثا عن الاسد المفترس , بينما أرسل ضباعه من المرتزقة الى اقتحام المتاجر وسرقة محتوياتها والفتك بعدة اشخاص , بطريقة تبدو من افعال الحيوانات المفترسة , لم يقتصر الامر على ذلك فقط , بل تعداه , فقد اقتحموا منزلا لرجل غني , فتكوا بجميع افراد العائلة , وسرقوا كل ما هو ثمين ولاذوا بالفرار .
يزداد الناس رعبا الى رعبهم وهم يرون تلك المناظر البشعة , حتى انهم نسوا او أغفلوا تلك السرقات التي تتكرر لليلة الرابعة على التوالي , دون العثور على اسد او حتى رؤيته , سوى في البلاغات الكاذبة او تلك البلاغات من اشخاص بلغوا من الرعب والهلع الى درجة انهم لم يميزوا بين القط والكلب .. والاسد.
صبيحة اليوم الخامس , اجتمع الناس امام مركز الشرطة حيث يقبع ويتحصن مالك الحديقة , مطالبين بإعدامه في ساحة عامة امام أعين الناس , هناك ومن على شرفة البناية , أطل الحاكم على الناس بصحبة مالك الحديقة , تناول مكبرا للصوت , طلب منهم الهدوء , بعد ان هدأوا :
- يا مواطني مدينتنا الكبيرة ... أيها الاعزاء والاحبة .. وددت ان اوضح لكم .. حقيقة .. ان الاسد حيوان بري ... لا يمكنه الاقامة في المدن .. لابد وانه قد غادر المدينة الى الغابات بعد سويعات من مهربه .. لكن هناك اناسا من ضعاف النفوس استغلوا الوضع الراهن وقاموا بأعمال شنيعة كي يوهموكم بوجود الاسد وفتكه بالمواطنين الابرياء العزل ومن ثم يتسنى لهم سرقة المتاجر والمنازل ويلوذون بالفرار .. لقد تحرينا عن هذا الموضوع وأبشركم بأننا القينا القبض عليهم في كمين وأنتهى الموضوع بسلام .. وها أنا ذا أستغل هذه الفرصة لأعرضهم امامكم واحاكمهم محاكمة علنية .
هناك , في الشارع قد نصبت محكمة , جلس القاضي متربعا في الوسط بين مساعدين , عرض امامه الضباع , مرتزقة الحاكم , مكبلين , مكممي الافواه كي لا ينطقوا بشيء مما يفضح الحاكم الذي أستولى على جميع المسروقات , تناول القاضي المطرقة هاتفا :
- باسم الشعب ! .
حدق في الجمهور , ثم في الضباع المرتزقة , ومن ثم اجال بصره نحو الحاكم , الذي ابتسم له , ضرب المطرقة وقال كلمة واحدة فقط :
- اعدام ! .
هلل الشعب طربا , وازدادوا حبا لحاكمهم , الذي زادت شعبيته , فضمن الفوز في الجولة الانتخابية المقبلة , بعد ان ضمن المال الكافي والضروري لتمويلها من الاموال المسروقة .
نفذ حكم الاعدام فورا , بدون أي تفاصيل اخرى , حينها التفت الحاكم الى مالك الحديقة :
- الان يمكنك الذهاب الى البيت بسلام ! .
- شكرا ... سيدي .
قالها بنوع من الخجل وهيبة الحاكم واضحة عليه , بينما هو يروم المغادرة , استوقفه الحاكم مبتسما بخبث :
- كانت فكرة جيدة ... هل لديك افكارا أخرى ؟ .
ابتسم مالك الحديقة بخبث ايضا مع شيء من الغباء والبلاهة :
- سوف أبحث لك عن افكار جديدة .. سيدي الحاكم .
جلس في سيارته , تنفس الصعداء , مستنشقا نسيم الحرية والامان , انطلق الى البيت , فتح باب حديقة منزله واغلقه من الداخل بإحكام , سار في الحديقة عدة خطوات وتوقف فجأة , بعد ان شم رائحة اعتاد ان يشمها في حديقة الحيوانات , اجال نظره في الحديقة باحثا عن المصدر , فجأة , وبدون سابق انذار , ظهر الاسد من بين اغصان الشجيرات قائلا :
- لم يطب لي ان اغادر الى الغابات .. ما لم اودعك أولا !
وسوم: العدد 722