قصة من الذكريات
منذ يفاعتي كنت أحب السكن في الريف خارج المدينة ، لذلك عندما تزوجت اشتريت منزلا في مدينة أريحا وسكنت فيها إلى أن غادرت سورية، وعندما أردت شراء منزل في حلب اخترته قبيل بلدة حريتان قرب المعهد الكهربائي للسبب نفسه.
وفي نهاية 2012 بدأت الأحداث تتسارع ، وبدأ الجيش يطوق المدن والبلدات ، فمرة أُحصر في أريحا أياما أو أسابيع ولا أستطيع مغادرتها ، ومرة أخرى أُحتجز في حريتان لمدة يومين او ثلاثة وهكذا... والفارق بين الاحتجازين أنني في حريتان كنت أقضي أيامي بدون الأسرة وحيداً.
كانت الأوقات في حريتان تمر طويلة. في النهار كنت أعكف على القراءة ، ولكن انقطاع الكهرباء كان يحول دون ذلك ليلاً، وهنا كان يأتي دور جاري الخمسيني. لم يكن في البناية غيرنا. وكنا غالبا نقضي سهراتنا معا. أنا أتكفل بالأركيلة والشاي الذي أخلطه من عدة ماركات وأضيف إليه شيئا من المسك، وهو يحضّر القهوة التي يوليها عناية خاصة أيضاً. كان جاري تاجر بناء، ونسخة حلبية من زوربا. ومن هنا كانت مسامرات الأمسيات معه لاتننضب ولا تنتهي.
قال لي مرة:
والله أنا حبيتك يا شيخي. إنت غير شكل. بتاخد وبتعطي. أبوس روحك.
شيخي! طلع عليّ! أنا كمان بعجبك. صعي أنا نسونجي، وكنت صاحب كاس وطاس، بس نحن ولاد جدود. لا تشوفني هلق هيك. بزماني من شي خمس وعشرين سنة هبَّ علي الدين، وصرت ألبس مكلابية، وأحط على راسي طاقية وفوقها مركزيتة، وربيت دقني شبر. الله وكيلك. وصرت أروح على الزاوية. أحضر ذكر الشيخ خلف أبو حمود الله يمسيه بالخير، وأخذت الطريقة الكيلانية، اللهم ارضى عن سيدي عبد القادر، يا شيخي ما بقيت أتكنس من الزواية، صارت المرا بدا تطلقني. بس أنا ما كان يهمني لا مرا ولا ولد ولا تَلَد، كل يوم أسحب 10000 مرة صلاة ع النبي. شيخي! والله العظيم ما بقي لي إلا نتفة وبصير ولي من أولياء الله. لكْ حتى صار يظهر علي كرامات. مرة اجتني وحدة صبية هي وحماتها. طلبوا مني أقرأ لها على صدرها، المخلوقة ولدت وجابت صبي بس ما كان يجي الحليب على بزها، كان بيتي في الجابرية بهديك الأيام. والله يا شيخي كنت لابس المكلابية، وحاطط على راسي المركزيتة، وكان طول دقني شبر. حطيت إيدي على بزها وقلت لها: إنت أختي بعهد الله. وغمضت عيوني، وصرت أنده للأنبياء والأولياء وجدودي: إيه يا رسول الله. إيه يا سيدي عبد القادر. إيه يا جدي البلوى. يا رب متل ما حط النبي إيدو على بز الجمل أو يمكن المعزة أو يمكن الغنمة وصار بزها يدر بالحليب. خلي بز هل مخلوقة يدر بالحليب كمان.
الله وكيلك يا شيخي خلال ثواني. ثواني ها. صار الحليب ينفر منها نفر. حتى إنو حماتها ركضت وجابت بشكير وحطتها على صدرها من كتر الحليب.
وينك شيخي. الدين حلو كتير. وأنا كمان بعجبك وبحب الدين. بس لا تصدق إنو في أحلى من النسوان.
شيخي صعي بدي أسألك: النبي حط إيدو ومسح على بز الجمل أو المعزة أم الغنمة؟ لأني ما ني متأكد!