توكل على الله
د.عثمان قدري مكانسي
يروي جابر بن عبد الله عاقبة حسن التوكل على الله فيقول:
عاد رسول الله من إحدى غزواته في نجد، وأصحابه معه، يسبحون الله ويهللون ويكبرون عند كل مرتفع من الأرض أو سهل، يحدثهم حديث المؤمنين الأوائل، ويحضهم على الجهاد، وربما تصمت ألسنتهم وتلهج قلوبهم بذكر الله تعالى، إلى أن اشتد الحرُّ وارتفعت الشمس في كبد السماء، وخفَّت سرعة الركب، وبدأ العرق يسبح في أجسادهم، فأمرهم الرسول أن يَقيلوا: فقال: ((قيلوا، فإن الشياطين لا تقيل))..
أدركتهم القالة في وادٍ أشجاره الشوكية كبيرة، فنزل رسول الله وتفرَّق الناس يستظلون بالشجر ويجهزون أماكن يستريحون فيها من هذا الهجير. نزل رسول الله تحت شجرة عظيمة من هذه الأشجار الشوكية تسمى ((السَّمُرَة)) فعلق بها سيفه، وتخفف من بعض ثيابه، ودعا ثلاث مرات بصوت مسموع: ((أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)).
وما إن وضع الناس أجسادهم على الأرض حتى راحوا في سبات عميق، فقد كان الطريق شاقاً، والمسافة طويلة، والعيرُ قليلاً يتعاور كل اثنين أو ثلاثة نفر جملاً أو حصاناً، حتى أخذ التعب منهم كلَّ مأخذ، وفجأة سمع الجميع صوت رسول الله يدعونا فابتدرناه مسرعين متأهبين، أيدينا على سيوفنا، نستطلع الخبر – لم يتخلف أحد منا – فليس من عادته أن يدعونا هكذا، في مثل هذا الوقت، ولم يكن ليدعونا وهو الذي أمرنا بالقيلولة لولا أنا هناك ما يستوجب الحضور.. سمعاً وطاعة يا رسول الله .. لبيك يا سيدي وسعديك.
فلما وصلنا، وجدنا عنده أعرابياً قد اعتمد على ركبتيه، ينظر إلى الأرض منكسراً، فلما اكتمل عقدنا قال رسول الله : ((إن هذا اغتنم فرصة ابتعادكم عني، وخلوّي إلى نفسي، فانسلَّ من بينكم، لا يشعر به أحد، حتى وقف على رأسي وأنا نائم، واستلّ سيفه وهو يقول: من يمنعك مني؟ من يحميك من سطوتي؟ نظرت إليه فرأيت عينيه عيني شيطان تتقدا جمراً، يريد أن يهوي بسيفه على عاتقي، فقلت له ثلاثاً: الله، الله، الله، ومن كان مع الله كان الله معه، ومن اعتمد عليه سبحانه، كان عماده، ومن احتمى بقوة الله، حفظه ووقاه، أتدرون ما حل به؟
اختلج جسمه واصطكت ركبتاه، وسقط السيف من يده ثم هوى إلى الأرض .. حملت السيف وهو متهالك أمامي، وقلت له: أرأيت كيف حماني الله منك، ونصرني عليك، كن مع الله ترى الله معك)) ثم قال له : أإذا عفوت عنك تُسلم؟ قال: لا ولكنْ لا أعين عليك أحداً ، فأطلقه.
رياض الصالحين: باب اليقين والتوكل
الحديث /53/