نلتقي في رحاب الله
ـ هناك أرواح تلتقي بها .. تشعر أنها مرآة روحك .. لا تتعلق بها .. لا تعشقها .. اهرب بعيداً بل وبعيد جداً .. لأنك إن فقدتها ستفقد روحك .. وتفقد طعم الحياة .. وتصبح دنياك باهتة لا لون لها ولا طعم لملذاتها ..
قالت لي تلك الكلمات .. ودفنت وجهها بين راحتيها .. وانسابت دموع حرّى .. كانت الدموع من غزارتها تقفز من بين أصابعها الطويلة البيضاء هاربة من فيضان آلامها ..
عهدت (سمر) امرأة شديدة الحساسية .. سريعة البكاء .. كتومة المشاعر .. لها وجه ملائكي لا تفارقه البسمة ولا يعرف الحقد طريقاً إلى قلبها .. كانت تعاني من من هذه الصفات التي تجعلها تكتم مشاعرها تجاه من تحب .. وخاصة أقرب الناس إلى قلبها .. والدها الحبيب .. الذي كانت تراه مثالاً للأب العطوف الرقيق الحاني .. مثالاً للرجل المخلص الرضي لوالديه .. مثالاً لكل شيء جميل خلقه الله في الدنيا .. طويل القامة .. جميل المبسم .. رقيق الطبع .. ورثت عنه أجمل صفاته .. وأخذت من والدتها أجمل صفاتها .. فكانت امرأة تكاد تخلو إلا من بضع عيوب لا تكاد تذكر شبح الموت يحوم فوقه .. قالت بأسى :
ـ نادمة لأني لم أقبله بالقدر الذي يشبع شفتي .. نادمة لأني لم أمسك يده كلما كان يلاقيني بابتسامته الملائكية .. نادمة لأنه ذهب إلى ربه من دون أن أحضنه وأخبره أني ما أحببت إنساناً كحبي له ..
فجأة ذلك الطويل الجميل القوي الفتي يفتك به مرض خبيث عضال .. ما أعطاه وما أعطى أحبابه فرصة الوداع .. مستشفيات .. طوارئ .. أبر .. جرعات .. آلام .. وآلام .. وآلام تكاد تنهد منها الجبال وتخرّ منها صعقا ..
في أيامه الأخيرة عافت نفسه الطعام والشراب .. كان الأحباب والأصدقاء يتحايلون عليه ليأكل .. ولكنه يأبى .. إلا (سمر) كلما دخلت عليه محرابه ومعها ما لذ وطاب من الطعام وتعرضه عليه كان يبتسم بحب لها رغم آلامه ويقول :
ـ يا هلا بريحة الجنة يا بنتي ..
قال لهم الأطباء بإعجاب :
ـ والدكم إنسان رائع .. عاش عمره نظيف اللسان حسن الأخلاق ..
سأله ابنه (سعيد) :
ـ وكيف عرفت ذلك يا دكتور ؟
قال الطبيب :
ـ إن من يعاني ويعالج مصابه وألمه لا تسمع منه إلا أسوأ الكلمات وأبشع أنواع الدعاء على من حوله لشدة ما يعاني من ألم خاصة إن كان سليط اللسان في حياته ..
حين فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها .. كانت الابتسامة لا تفارقه ..
اقتربت منه (سمر) قبلت جبينه الندي الأبيض .. ومنّت الروح بلقاء لا فراق ولا ألم بعده في جنة المولى حيث لا نصب ولا تعب ولا حزن ..
وسوم: العدد 732