دَمْعَةُ نَخْلَة

قصص أقصر من القصيرة (9) 

جَلَسَا على ضفّة نهر (دجلة)، قريباً جداً من مجرى النهر الهادر، واستظَلاّ بِظِلِّ نخلةٍ باسقةٍ مكسّرة الساق، مهشّمة الأغصان، خاليةٍ من الثمار.. قال (نسيم):

- حالنا لم تعد تُطاق، لا بد أن نفعل شيئاً، فالقوات المحتلة تعيث في بغداد فساداً، ولم تترك شيئاً دون تدمير، لا بد أن نقوم بعملٍ مقاوِم.

- أجاب (مُرهَف) بحسرة: وما العمل يا عزيزي؟!.. انظر إلى البساتين التي أمامنا، كيف كانت وإلامَ صارت!.. وانظر إلى تلك النخلات الغاليات حَوْلَنا، فكلها مكسّرة الأغصان، منحنية السّوق، متيبّسة!..

- (نسيم): نعم.. نعم أعلم، فقصف الأميركيين، وعبث جنود الداخلية وشرطة العاصمة، حوّل هذه العاصمة العظيمة إلى خرابٍ ودمار!..

- (مُرهَف): قل لي بربِّكَ يا (نسيم): هل بغداد هذه هي عاصمة بلاد السواد المعروفة على مرّ التاريخ؟!.. أين النخيل الذي كان عامراً بالحيوية والشموخ ووفرة الثمر؟!.. علينا أن نعمل لاسترداد بلدنا من لصوص أميركة، ومن حلفائهم عملاء المجوس، القادمين على فوّهات مدافعهم، التي دمّرت البلاد، وفتكت بالعباد، وشرّدتنا!..

- (نسيم): إذن، ضع يدكَ في يدي يا (مُرهَف)، ولنتعاهد على مقاومة جنود أميركة وكل الغرباء الفُرْس الذين ينفثون أحقادهم في بلادنا، وعلى دحر العملاء الذين يتآمرون علينا ويُنفِّذون مخططات المحتلّين!..

وضع (نسيم) يدَه في يدِ (مُرهَف)، وتعاهدا على ألا يغادرا بغداد أبداً، وأن يعملا بكل طاقتيهما، حتى هزيمة الغزاة وأعوانهم، أو الاستشهاد في سبيل الله والوطن والأمة!..

هطلت قطرةُ ماءٍ بطعم (البَرْحي) على يديهما المتشابكتين.. نظرا إلى الأعلى، فإذا قطرات أخرى تتساقط من غصن النخلة، كلها بطعم (البَرْحي)!.. صاح (نسيم):

- انظر!.. ماماتت النخلة.. فما تزالُ حيّةً تُرزَق، وما تزالُ جذورُها راسخةً قويةً يُغَذّيها ماء دِجْلَة!..

أجاب (مُرهَف) بحماسةٍ اختلط فيها الحزن بالفرح، وهو يمسح بيده اليُسرى قطرةً سقطت من غصن النخلة على وجهه، فتتسلّلت إلى عَيْنه اليمنى:

- وما تزال شامخةً.. لم تمُت النخلة.. ولن تموت، هكذا قال لي أبي منذ شهرين، صدقَ أبي.. لن يموتَ نخيلُ بغداد يا (نسيم)!..

وسوم: العدد 733