من ذاكرة الحج .. 2
عام 2008 وفي الحرم المكي الشريف
رايته باكيا خاشعا ينظر الى بيت الله الحرام وهو يتضرع الى الله بالدعاء
وما شدني من دعائه انه كان يردد في دعائه .. ربي سامحني ان رزقتني الحج من غير حول لي ولا قوة
ربي سامحني انني رزقت بالحج وكنت سببا في حرمان ابن عمي من الحج من دون قصد مني
ربي كما رزقتني حج بيتك فلا تحرم ابن عمي السنة القادمة من الحج الى بيتك الكريم
انتهى من الدعاء ومسح دموعه بكفي الضراعة . سلمت عليه وعرفت انه من حلب . وحدثني عن مجيئه للحج بدون ان يكون له من أمره حول ولا وقوة
قال :
رجعت من رحلة تجارية من تركيا بسيارة ابن عمي وكنا نضع جوازات السفر في درج السيارة الامامي
قال ابن عمي انوي الحج هذا العام وساضع جوازي عند مكتب فلان الذي كان يتواصل معه بشكل شبه يومي واختصرنا زيارتنا لتركيا لضيق الوقت المتاح لتقديم طلبات الحج مع العمالة الموسمية ( الجزارين )
اقترب موعد السفر وجاءه الخبر السعيد بان التاشيرة قد اصدرت
وكعادة الحلبية اول ما يبدأ بتحضيرات السفر ( زوادة الاكل ) التي تكفي لعشرة حجاج
فجهز كل ما يلزم واشترى ملابس الاحرام وتجهز لكل شيئ
الموعد بعد العشاء لانطلاق الحافلات وجاءني هاتف منه يخبرني بضرورة اللقاء بي وصوته يرتعش باكيا
ابوس ايدك تعال بسرعة قالها وهو يبكي بمرارة
وحين التقيت به قام الي وعانقني بشدة وبكاء وقال لعل الله اطلع على قلبي فوجدني غير مؤهل للحج واصطفاك انت لانك احسن مني عملا مع ربك وعباده
لم استوعب ما كان يقصده من كلام حتى فهمت من صاحب المكتب ان ابن عمي قد اعطاه جوازي بدلا من جوازه بالخطأ ولانني اضع في جوازي دائما صورا شخصية واخراجا للقيد فلم يطلب من ابن عمي اي شيء فالاوراق مكتملة
وعندما كان يسالهم عن التاشيرة فيقول لهم .. جواز العمر نسبة للعائلة
وهكذا حتى ذهب ليكمل دفع المال للمكتب قبل السفر بساعات تفاجأ بانه اعطى للمكتب بالخطأ جواز سفري
قلت لصاحب المكتب ابن عمي يمكن ان يموت بسبب هذا فهل ممكن ان نفعل اي شيئ فقال صاحب المكتب بحزن للاسف لا لايمكن ابدا
فقلت ارجوك انا لست مستعدا لا للسفر ولا للحج ويحتاج الامر الى ترتيب عملي وبيتي ولم يتبق للسفر الا ساعة
حاولت الاعتذار وانا انظر الى الجميع والكل يقول لي وهل تحرم نفسك من فرصة جاءتك بدون حول من منك ولا قوة ... انها ضيافة الله اليك
وقف ابن عمي وهو يحاول الاتكاء على كتفي ويخاول التماسك امامي وانا ارى الالم يعتصر قلبه وخاطبني بلهجة الراضي بحكم الله الواثق بحكمته ورضاه وقضاءه وقدره وبابتسامة حزينة
ابن عمي الحبيب والله اني رغم المي فرحت لك فليس لي نصيب هذا العام
واما زوادتك ولباس الاحرام وشنطة الملابس فكلها جاهزة خذها مني هدية وانا ساتابع عملك وكانك موجود
ولكن لا تنساني من الدعاء وصار الكل من حولي منهم من يبكي ومنهم من فرح لهذا ومنهم من يربت على كتف ابن عمي مصبرا له ومنهم من يبارك لي
ركبت السيارة الى بيت ابي الذي ودعني مع امي بدموع الحب والشوق
واما زوجتي فهربت من بين اسئلتها الكثيرة و التي شككت بالقصة من اولها وبانني اخلفت وعدي لها بان لا اسافر للحج الا معها
ركبت الحافلة ومئات المودعين حولنا تسبقهم دموعهم واشواقهم
وأما ابن عمي فقد وقف شامخا وهو يودعني ويوصيني بالدعاء
نعم يا أخي انتهينا من مناسك الحج وها انذا اطوف طواف الافاضة وكان ابن عمي مشاركا لي بكل دعائي
هذه قصتي يا اخي ولهذا السبب كان ابن عمي حاضرا معي بكل دعائي
خاطبني وهو يجهش بالبكاء اسالك بالله ياشيخ هل انا اثم ان حللت مكان ابن عمي وكيف ساسامح نفسي
فقلت له بل انت اعطيت ابن عمك اضعاف اضعاف اجر الحج
اجر من نوى للحج ولم يستطع فكان اجر الحج كاملا
واجر من فرح بقضاء الله ورضي بنصيبه صابرا محتسبا
واجرك انت وحجك ودعائك كله سيكون في ميزان اعماله ان شاء الله
هدأت نفسه قليلا وفرح لكلامي واتصل مع ابن عمه من الحرم وكان البكاء بينهما كبيرا
قال تعالى
وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)
فكل من سمع الاذان في علم الله وردد .. لبيك اللهم لبيك .. قد كتب له زيارة البيت بحج او عمرة
نسال الله ان نكون ممن لبى وكبر وممن شملهم القبول والرضا
كتبت هذه المقالة ودموعي تسابق احرفي وتذكرتها بعد تسع سنين كانها حاضرة امامي
اسال الله تعالى ان يرزق كل مشتاق الحج وزيارة بيته ومسجد رسولنا الكريم
اللهم ولكل من اوصانا واستوصانا بالدعاء .. آمين .. آمين
وسوم: العدد 735