أمل الرجوع
يجلس على صخرة تحت أشعة الشمس الحارقة بثياب رثة لا تقيه حرارتها، بيده قلم مكسور وورقة يرسم عليها أحلامه، يرسم دميته التي احترقت في منزله الذي قصف.
يتمنى أنه لو كان في مدرسته يخطط لمستقبله الذي ينتظره يأمل أن يعود ويعمر بيته ومدرسته ويصبح حاله كحال بقية الأطفال في العالم هكذا يقول محمد.
دخلنا خيمتهم التي لا تكاد تسعهم في مخيم يحوي حوالي "1000" خيمة،
يقتصرون إلى أهم مستلزمات الحياة، فالمياه ملوثة ولا كهرباء ولا نور.
يقول الطفل راوياً قصتهم: (عمري "11" سنة كنت في الصف الرابع عندما قام النظام بالقصف المكثف على حينا، وقد سقطت إحدى القذائف على بيتنا ما أدى إلى احتراق قسم كبير منه مما اضطرنا إلى الخروج منه بسرعة والهروب من الخطر المحدق بنا، ولم يعد لدينا خيار إلا إلى النزوح إلى أحد المخيمات في تركيا في منطقة كلس).
الأم وهي تقوم بإعداد طعام الغداء على نار دخانها يملأ المكان تحدثنا عن وضعهم المأساوي قائلةً:
(لم يعد لدينا منزل سوى هذه الخيمة ولم يعد لدينا طعام إلا هذا الطعام الذي لا يكاد يكفينا).
تضع الأم الطعام لأولادها الخمسة والذين لا زالوا براعم بريئة يلعبون بألعاب بسيطة اصطنعوها فالأول يلعب بالطين والآخر يلعب بالعيدان على أنها رشاش.
في هذه الأثناء يأتي الأب من عمله الشاق وهو يعمل في أحد الأسواق، يعمل بجد بلا كلل أو ملل ليؤمن لأولاده الذين ينتظرونه في خيمتهم المتواضعة ما يقتاتون عليه.
يقول أبو محمد: (كنا في حي صلاح الدين في حلب منذ ثلاثة شهور عندما بدأت القذائف بالسقوط على حينا وأصوات الانفجار تملأ المكان فسقط ما يقارب "50" قذيفة وصاروخ خلال ربع ساعة ما أدى إلى استشهاد ثلاثة أطفال وامرأتين و5 رجال وتَدَمُّر ما يقارب 6 أبنية).
بينما نحن جالسون نشرب الشاي أتى صديق الأب "أبو محمود" في زيارة لهم والذي لا زال يقطن في صلاح الدين وأخذ يحدثنا عن الأوضاع هناك قائلاً: (القصف ما زال مستمراً والقذائف تسقط بعشوائية على منازل المدنيين والإصابات تزداد والشهداء يرتقون إلى جنات النعيم وما بقي من السكان يخرجون من الحي إلى أماكن قد تكون أأمن لهم من منازلهم).
يبكي الطفل الصغير بسبب مرضه والأم تأخذه إلى حضنها وتحاول إسكاته ولكن دون جدوى.
يضيف الأب: (لا نعلم أنبقى هنا في ظل المرض والجوع أم نعود إلى ديارنا تحت القصف والدمار، أمران أحلاهما مر).
محمد ليس الوحيد الذي فقد منزله ومدرسته وألعابه، فهناك ما يقارب "200" ألف طفل وطفلة مهجرين سواءً داخل البلاد أو خارجها وأغلبهم يعاني من الجوع والمرض الشديد والتشرد
وجميعهم ينتظر ويتأمل العودة لوطنه، أن يعود إلى بلد يسود فيه الأمن والأمان، أن يعود لسوريا ...
فالوطن شجرة طيبة لا تنمو إلا في تربة التضحيات ولا تسقى إلا بالعرق والدم.
وسوم: العدد 745