الضرائب على الكتب
فرض ضريبة على مبيعات الكتب في بعض الدّول العربيّة يثير عدّة تساؤلات، ويعيد إلى الأذهان عدّة حقائق، فمن المعروف أنّ أهمّ الأسباب للتخلف في العالم العربي هي الجهل، ومعروف أنّ "أمّة اقرأ لا تقرأ"، فاحصائيّات منظمة الأمم المتّحدة للتّربية والعلوم والثقافة عام 2013، تقول: "أن ّ ما يترجم للغة الاسبانيّة في العام الواحد، يعادل ما ترجم إلى العربيّة منذ عصر المأمون حتّى الآن" وهذا يعني أكثر من ألف عام، وأشارت الاحصائيّة" أنّ الفرنسي يقرأ في العام 280 ساعة، والأمريكيّ 260ساعة، والعربيّ 6 دقائق!
وإذا كانت الكتب تطبع بمئات ألوف أو ملايين النّسخ في أمريكا وبعض الدّول الأوروبيّة، فإن كبريات دور النّشر في العالم العربي كدار المعارف في القاهرة ودار الآداب في بيروت، تطبع لمشاهير الكتّاب العرب عشرة آلاف نسخة من كلّ كتاب، توزّع في الأقطار العربيّة جميعها، في حين أنّ مطبوعات غالبيّة دور النّشر العربيّة لا تطبع أكثر من ألف نسخة من كلّ كتاب، وتجد صعوبات في تسويقها بسبب قلّة القراء.
ولتشجيع المطالعة فإنّ الكتاب مدعوم في غالبيّة الدّول المتقدّمة، وأنّ الكتّاب يصبحون من أصحاب الملايين بسبب مردود كتبهم التي تباع بمئات وملايين النّسخ، في حين أنّ غالبيّة الكتّاب في وطننا العربيّ يدفعون من جيوبهم تكلفة طباعة ونشر انتاجاتهم الابداعيّة، ويعانون من العوز والحاجة.
ومعروف أنّ الدّول المتقدّمة تخصّص نسبة قد تصل إلى 7% من ميزانيّتها السّنويّة للثقافة، فكيف تفرض دول عربيّة ضرائب على مبيعات الكتب؟ وما دلالات ذلك؟ وهل تجهل الحكومات أهميّة المطالعة.
سبق وأن زرت أمريكا 25 مرّة بسبب اغتراب ابني وستّة من اخوتي فيها، وشاهدت هناك وجود مكتبة عامّة تحوي عشرات آلاف الكتب في كلّ حارة، وهي مجهّزة بقاعات للمطالعة ومنها قاعات مخصّصة للأطفال، وشاهدت مكتبات صغيرة في بعض المتنزّهات العامّة. ومن خلال أبناء اخوتي علمت أنّ هناك حصّة أسبوعيّة للطلاب للمطالعة تبدأ من الصّف الابتدائيّ الثالث، ويحسب لها علامات في الشّهادة المدرسيّة، والتلاميذ مجبرون على شراء كتب المطالعة التي تناسب أعمارهم، ومن هنا يخلقون جيلا قارئا، يواظب على المطالعة في مختلف مراحل عمره. لذا فليس مستغربا أن تجد الأمريكي والأوروبي يطالعون في الطّائرة وفي القطار، وفي عيادة الطبيب، لأن المطالعة عندهم أصبحت سلوكا. ولهذا فإنّ الكتب عندهم تطبع بالملايين. وفوجئت في أمريكا بوجود كتب أطفال مخصّصة للأطفال من جيل يوم واحد حتّى سنة، حيث يقوم الوالدان بالقراءة لأطفالهم، كما توجد كتب صوتية للأطفال الذين لم يتعلمّوا الأبجديّة، وأمر عاديّ أن تجد في كلّ بيت مكتبة.
وهناك مؤسّسة سويديّة اسمها "دياكونيّا" لها مكاتب في مختلف العواصم العربيّة قامت بترجمة مئات القصص والرّوايات المخصّصة للأطفال إلى العربيّة لكتّاب من الدّول الاسكندنافيّة، وطبعتها طباعة أنيقة مع رسومات مفروزة الألوان، وتقوم بتوزيعها مجّانا على المدارس العربيّة من أجل التّعريف بالكتّاب الاسكندنافيّين.
ومن حقّ المواطن العربيّ أن يتساءل إذا كانت حكومة بلاده تعي أهميّة الثّقافة أم لا؟ وما دور وزارات الثّقافة في هذه الحكومات؟ وهل وافقت على فرض ضرائب على مبيعات الكتب؟ والحديث يطول.
وسوم: العدد 757