أفغانستان وأميركا والطالبان الجدد
قطع قائد القوات الأميركية في أفغانستان قول كل سياسي ومحلل، حين أبلغ قناة تلفزيونية أميركية مؤخراً أن قواته محاصرة في أفغانستان، ولا يمكنها أن تستخدم الطرق البرية، وأنها تستخدم فقط المروحيات، الأمر الذي يُذكر تماماً بما كانت تقوم به آخر أيامها القوات الأميركية إبان احتلالها فيتنام، واللافت أنه وفي البرنامج نفسه المطول الذي يتحدث عن صعوبات تواجه القوات الأميركية في أفغانستان، شاهدنا مقابلة مع الرئيس الأفغاني أشرف غني، الذي قدّر مدة بقائه وبقاء قواته في السلطة بأفغانستان حال رحيل القوات الأميركية منها بستة أشهر فقط، هذه التصريحات أتت قبل تقرير أميركي من المفتش العام الأميركي لإعادة إعمار أفغانستان، من المقرر أن يقدم للكونجرس الأميركي، وقد تحدث فيه عن تصاعد فقدان واشنطن للأراضي الأفغانية لصالح حركة طالبان، مقارنة بعام 2009، مع إخفاق أميركي بضبط زراعة وتجارة المخدرات، التي تصاعدت بنسبة 87% عن العام الماضي، رغم الإنفاق المالي على الحدّ منها، والذي وصل إلى ثمانية مليارات دولار.
وقد نشرت هيئة الإذاعة البريطانية أخيراً تقريراً أعدته، يظهر أن أكثر من 70% من المناطق الأفغانية تحت سيطرة فعلية لمقاتلي حركة طالبان الأفغانية، وقدرت عدد المناطق التي للحركة فيها وجود علني وظاهري بـ 66%.
الواضح أن التصعيد الأميركي مع باكستان يأتي في هذه الأجواء، إذ ترى واشنطن أنها دخلت مستنقعاً أفغانياً خطيراً، إذ إن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذي سحب بعض قواته من أفغانستان، في إشارة فسرها الكثيرون على أنه اقتراب من تنفيذ المهمة، عاد الرئيس الحالي دونالد ترمب وأرسل مزيداً من القوات، وسط فشل سياسي وعسكري واضحين في أفغانستان.
واشنطن أرادت تحميل إسلام آباد مسؤولية فشلها العسكري في أفغانستان، بحجة أنها هي من تدعم حركة طالبان أفغانستان، وهو ما ردّ عليه وزير الخارجية الباكستاني خواجه أصف قائلاً: «إن على واشنطن أن تعترف بفشلها في أفغانستان، ونحن مستعدون للمساعدة في ذلك».
ويأتي الموقف الباكستاني الصلب هذا مع تعزيز إسلام آباد لعلاقاتها الدولية والإقليمية أخيراً، إن كان مع الصين وروسيا أو مع إيران، وتعزيز الإمساك بالورقة الطالبانية بشكل قوي، وما يساعدها في ذلك الامتداد العرقي البشتوني إلى داخل أراضيها، والذي تنتمي إليه طالبان نفسها.
الواضح أنه لولا الفشل الأميركي في أفغانستان لما تجرأت باكستان على دعم حركة طالبان أفغانستان، لكن باكستان ترى أن واشنطن فشلت في أفغانستان، وبالتالي، لا بد من ملء الفراغ الأفغاني قريباً.
ثلاث عمليات نوعية وضخمة خلال أسبوع واحد ووسط العاصمة الأفغانية كابول كانت الرسالة الأقوى للداخل والخارج، خصوصاً أن العمليات أوقعت خسائر ضخمة، بعضهم مدنيون، لكن هذا يضع على المحك الاستراتيجية الأميركيةـ الأفغانية في مواجهة التمرد الأفغاني، وهو يعتبر نقلة نوعية في العمليات التي بدأت تركز على العاصمة الأفغانية، فالهدف الأكبر من هذه العمليات هو زعزعة ثقة الناس بالحكومة -ومن خلفها القوات الأميركية- المعنية جداً باستقرار حكومة أتت لإزاحة سابقتها طالبان.
راهن البعض على نهاية طالبان بعد رحيل اثنين من قادتها بوقت قياسي الملا محمد عمر وأختر منصور، وراهن البعض أيضاً على أن ظهور تنظيم الدولة سينتزع الأرض من تحت أقدامها، لكن، يبدو كل هذا لم يحصل، خصوصاً أن العمليات التي نفذتها الحركة -وإن راح ضحيتها الكثير من المدنيين، كما حصل في الهجوم على فندق الكونتيننتال- إلاّ أنها أثارت الرعب والخوف وسط الطبقة الحاكمة في أفغانستان، وتحديداً بما يتعلق بمصيرها ومصير أفغانستان بشكل عام.
وسوم: العدد 758