هل أخذ بالمرجعية الإسلامية في وضع القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء؟

نشرت وسائل الإعلام أن البرلمان  صادق على القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء . ومن ضمن ما تضمنه هذا القانون عقوبة المتحرشين جنسيا، وهي الحبس ما بين شهر واحد وستة أشهر ، وغرامة مالية من ألفي درهم إلى عشرة آلاف درهم . ومعلوم أن التحرش في اللسان العربي  له دلالتان :الأولى هي تعرض الشخص للشخص ليستفزه وليهيجه  أو ليثير حفيظته ، والدلالة الثانية هي إغراؤه للإيقاع به جنسيا . وقد ورد في القانون المشار إليه أعلاه ما يقرب من الدلالة اللغوية الثانية للتحرش وهي : " الإمعان في مضايقة الغير بأفعال أو أقوال أو إشارات جنسية أو لأغراض جنسية والمرتكبة في الفضاءات العامة أو بواسطة وسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية ". ولفظة إمعان في اللغة  تدل على التمادي والمبالغة، فهل استعمالها كان احترازا من التحرش الخفيف أم من سوء التأويل أو الخلط بين ما يعتبر تحرشا ،وما لا يعتبر كذلك لأن في الأمر عقوبة ؟ والسؤال المطروح هل يعني هذا القانون الذكور وحدهم أم يشمل الإناث أيضا ، فتكون المرأة أيضا متحرشة بالرجل كما يتحرش بها هذا الأخير أم أن عنوان القانون الذي هو " محاربة العنف ضد النساء " يسقط فعل التحرش عنهن،  ويعتبرهن  وحدهن ضحاياه ، ويجعله قاصرا على الرجال، ولا يمكن اعتبارهم ضحاياه كالنساء .

ويطرح سؤال آخر وهو : هل وضع المشرع لهذا القانون حين وضعه في اعتباره انتماء المغرب الإسلامي وفق ما ينص عليه الفصل الثالث من الباب الأول في الدستور أم أنه عمد إلى قوانين المجتمعات الغربية ذات الطبيعة العلمانية فنسج على منوالها  ؟

ويبدو أنه من الضروري  وفق دستورنا الانطلاق من مرجعيتنا الإسلامية للبث في  كل ما يعرض لنا من أحوال بما في ذلك التحرش . فمن المعلوم أن الإسلام قد وضع من الضوابط الشرعية ما يمنع التحرش الجنسي بين الذكور والإناث على حد سواء حيث قال الله عز وجل : (( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الاربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن  وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون )) .

ففي هذا النص القرآني ما يفيد منع التحرش بين الجنسين، ذلك أن الأمر الإلهي بغض الجنسين معا رجالا ونساء  من أبصارهم إنما جاء لمنع الإثارة الجنسية بينهم أو إغراء بعضهم البعض بها . ومعلوم أن النظر هو أول خطوة في فعل التحرش ، وهو سلوك  ليس من السهل ملاحظته إلا إذا بلغ حد الإمعان ، لهذا ذيل الله عز وجل بعد الأمر بالغض من البصر  بقوله تعالى : (( إن الله خبير بما يصنعون )) ذلك أنه سبحانه وحده الذي يعلم  تحرش خائنة الأعين . والإنسان المسلم إنما يمتنع عن هذا الفعل التحرشي مخافة ربه، لهذا أوكله خالقه لنفسه ليكبح جماحها إذا نظرت إلى ما لا يجوز النظر إليه . وإلى جانب فعل التحرش البصري، ذكر الله عز وجل أفعالا تحرشية أخرى، وهي حفظ الفروج وعدم استحلالها إلا بما شرع سبحانه من نكاح . وفضلا عن ذلك ذكر إبداء الزينة بالنسبة للنساء كفعل تحرشي أيضا يستفز غريزة الجنس عند الرجال من خلال إبداء أو إظهار ما لا يجوز إظهاره من أجسادهن  . ومن الأفعال التحرشية التي تصدر عن النساء الضرب بالأرجل الذي يترتب عنه  الكشف عما يخفى من زينة. والملاحظ في هذا النص القرآني أنه يتحدث عن تحرش يقع من الجنسين معا ، ولا يقتصر على جنس واحد ، لهذا كان من المفروض أن تتم الإشارة في نص القانون المجرم للتحرش إلى أنه يقع من الجنسين معا بموجب مرجعيتنا الإسلامية ،خلافا لمرجعية غيرنا التي تقصر التحرش على جنس الذكور دون جنس الإناث . وفي نص قرآني آخر يعتبر الخضوع بالقول عند النساء ضربا من التحرش لما يترتب عنه من إطماع الطرف الآخر جنسيا ، وهو قوله تعالى : (( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض )) . وإذا كان هذا الخطاب موجها لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وهن أمهات المؤمنين المنزهات ،فالأولى أن تلتزم به غيرهن ممن لسن في وضعهن من التنزيه .

وإذا تأملنا ما جاء من أوامر إلهية لمنع الوقوع في التحرش، نلاحظ أن الذكور أمروا بالغض من أبصارهم فقط ، بينما أمرت الإناث بذلك وزيادة حيث أمرن بعدم إبداء الزينة، وبارتداء  اللباس المانع لذلك ، وتجنب الحركة أو الصوت الباعث على التحرش بالذكور .

وإذا كان تعريف التحرش في القانون 103.13 هو كل فعل أو قول أو إشارة أو رسالة أو مكالمة هاتفية أو إلكترونية أو تسجيل أو تصوير له دلالة جنسية ، فإن عدم الغض من البصر بالنسبة للجنسين يدخل تحت الإشارة ، وإبداء الزينة عند الإناث يدخل ضمن الأفعال ذات الدلالة الجنسية ، والخضوع بالقول  عندهن يدخل تحت القول ذي الدلالة الجنسية .

وخلاصة القول أن هذا القانون إذا أخذ  بالمرجعية الإسلامية المنصوص عليها في دستورنا عند تطبيقه كان حتما لغير صالح المرأة.

وسوم: العدد 760