تصدي الإسلام للعنف ضد المرأة
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
لماذا تزداد ظاهرة "العنف ضد المرأة" في العالم الإسلامي؟ ما هي العلاقة بين الإسلام وبين انتشار تلك الظاهرة؟ وهل الإسلام هو المسؤول عن ممارس المجتمعات الإسلامية العنف، كونه دينا يعتمده المسلمون في تنظيم الأفكار والسلوك؟ وماهي المبادئ التي اعتمدها الإسلام للتعامل مع ظاهرة العنف والعنف ضد المرأة؟ وكيف يمكن مناهضة العنف ضد المرأة، وتعزيز دورها المجتمعي؟
إن العنف هو "الاستخدام المتعمد للقوة أو السلطة أو التهديد بذلك، ضد الذات أو ضد شخص آخر، أو عدد من الأشخاص أو مجتمع بأكمله، مما يترتب عنه أو قد يترتب عنه أذى أو موت أو إصابة نفسية أو اضطراب في النمو أو حرمان" وتشير الموسوعة العلمية أن مفهوم العنف يعني "كل فعل يمارس من طرف جماعة أو فرد ضد أفراد آخرين عن طريق التعنيف -قولاً أو فعلاً -وهو فعل عنيف يجسد القوة المادية أو المعنوية".
إن العنف ضد المرأة "هو العنف الموجه ضد المرأة بجميع أشكاله، الجسدي والنفسي والجنسي واللفظي، والحرمان الاجتماعي والاقتصادي والتهديد بهذه الأعمال، والإكراه، وسائر أشكال الحرمان من الحرية، وذلك بسبب كونها أنثى، سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر، ويؤدي إلى إلحاق ضرر أو الم جسدي أو نفسي أو جنسي أو عقلي أو اجتماعي أو اقتصادي بها، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة" فيما عرفت الجمعية العامة للأمم المتحدة العنف ضد النساء بأنه "أي اعتداء ضد المرأة مبني على أساس الجنس، والذي يتسبب بإحداث إيذاء أو ألم جسدي، جنسي أو نفسي للمرأة، ويشمل أيضاً التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان التعسفي للحريات، سواء حدث في إطار الحياة العامة أو الخاصة".
وعلى الرغم من اختلاف الباحثين في تحديد أنواع العنف ضد المرأة إلا أنهم يجمعون على وحدة المضمون، فهو فعل أو سلوك عدواني تجاه المرأة، سواء كان هذا الفعل موجه من الرجل ضد المرأة أو من المرأة ضد المرأة، سواء من الوسط المحيط بالمرأة كالأسرة وأسرة الزوج أو وسط العمل، أو من الغرباء الذين قد يتعرضون للمرأة.
يذكر المختصون صورا متعددة يتحقق فيها العنف ضد المرأة كالضرب باليد أو بالعصا أو أية أداة مؤذية، أو بالركل بالأقدام، أو الحبس أو محاولات الخنق، أو الإهانات والشتائم، أو بالتهديد بالإيذاء أو القتل، أو التحقير أو الإهانات والإيذاء النفسي، أو الاغتصاب أو ممارسة الجنس بالقوة أو التحرشات الجنسية، أو أية وسيلة أخرى تشكل عنفا ضد المرأة، وقد يتحقق العنف ضد المرأة بالإيذاء غير مباشر، ومن صوره العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية التي تأخذ صفة التحقير أو الإقصاء أو التصفية.
وفي الواقع، لا يخلو أي مجتمع من المجتمعات البشرية من وجود صورة أو أكثر من صور ممارسة العنف ضد المرأة، شرقيا كان هذا المجتمع أم غربيا، متدينا كان أم غير متدين، مسلما كان أم غير مسلم. فالعنف في حقيقته ظاهرة عالمية ترتبط بطبيعة العلاقات البشرية غير المتوازنة بالأساس أكثر مما ترتبط بالديانات والعقائد. وهو ظاهرة منتشرة في البلاد كافة، وإن اختلفت صور هذه الظاهرة من بلد إلى آخر، بحسب عادات وتقاليد وثقافة وقوانين كل مجتمع.
ترى الأمم المتحدة "أن العنف ضد المرأة عالمي وخصوصي في آن واحد. فهو عالمي من حيث أنه لا توجد منطقة في العالم ولا بلد ولا ثقافة ضُمن فيها للمرأة التحرر من العنف..." ويقول الأمين العام السابق للأمم المتحدة السيد بان كي ـ مون "ما زال العنف ضد النساء والفتيات مستمراً دون هوادة في جميع القارات والبلدان والثقافات. وهو يحدث أثراً مدمراً على أرواح النساء وعلى أسرهن وعلى المجتمع بأسره. ورغم أن معظم المجتمعات تحظر هذا العنف – إلا أنه في واقع الأمر يتم التستر عليه أو التغاضي عنه ضمنياً في أكثر الأحيان".
وجاء في دراسة لمنظمة الصحة العالمية، أن واحدة من بين كل أربع نساء، تتعرض للعنف من قبل أحد أفراد الأسرة خلال حياتها. وفي السياق نفسه، أثبتت دراسات تناولت ظاهرة تعنيف النساء، أن المرأة تكون أكثر عرضة للعنف المادي (الضرب أو الإكراه على أفعال زوجية أو عائلية، خاصة أو عامة).
يمكن إرجاع ظاهرة العنف ضد المرأة إلى أسباب مختلفة منها: العادات والتقاليد المنحازة لمصلحة الرجل على حساب مصلحة المرأة. ومنها ضعف التعليم للمرأة مقابل العناية بتعليم الرجل، ومن نتائجه تقبل المرأة نفسها للعنف والخضوع أو السكوت عليه مما يجعل الآخر يتمادى أكثر. ومنها سوء الوضع الاقتصادي، حيث تعد المشكلات الاقتصادية واحدة من أهم الأسباب التي تضغط على الرجل لان يكون عنيفا ويصب جام غضبه على المرأة. ومنها الجهل في معرفة الحقوق والواجبات، وهذا الجهل قد يكون من الطرفين المرأة والرجل الذي يمارس العنف ضدها، فجهل المرأة بحقوقها وواجباتها من جهة، وجهل الآخر بهذه الحقوق من جهة أخرى قد يؤدي إلى التجاوز وتعدي الحدود. هذا ناهيك عن النزاعات والحروب التي تخلق دائما مجتمعا ميالا للعنف، لاسيما العنف ضد الفئات الضعيفة كالمرأة.
نعم، صحيح أن العنف والعنف ضد المرأة شائع في البلاد الإسلامية، وأن الكثير من المسلمين كما يؤدون الصلاة والصيام والعبادات الأخرى، فأنهم يمارسون في حياتهم العملية العنف ضد بعضهم بعضا وضد المرأة بالتحديد. وربما أدعى بعضهم أن ممارسة العنف هو قيمة مستوحى من النص القرآني والحديث النبوي كون العنف مباحا في موارد عديدة منها العنف ضد المرأة. وقد يؤيد هذا الرأي مؤخرا بالتجربة العنيفة التي مارستها بعض التنظيمات "الإسلامية" المتطرفة مثل تنظيم القاعدة وتنظيم داعش الإرهابيين منها سبي النساء وبيعهن، وجواز تعذبهن أو قتلهن إلخ.
ونعم، صحيح أيضا، وبحسب بعض علماء الدين "أن المرأة في أغلب المجتمعات هي العنصر الضعيف -جسدياً واجتماعياً وسياسياً -ولا سيما في المجتمعات الشرقية والإسلامية خصوصاً، وهي تُعتبر -من حيث نريد أو لا نريد، أو نشعر ولا نشعر -إنساناً من الدرجة الثانية. والواقع الموجود بالنسبة إلى المرأة يبدأ في اضطهاد الأب أو الأم أو الأخ للفتاة، بأن تُجبر على الزواج ممّن لا تريد، وإذا امتنعت عن ذلك فإنها تُهدد بالضرب والحرمان من كثير من حقوقها، فالذين يتولون زواج البنات هم الآباء والأمهات، أما الفتاة فليس لها رأي -غالباً -في الزواج، هذا نوع من العنف المعنوي والذي قد يتحوّل إلى عنف جسدي."
ولكن بلا أدني شك، ان اتهام الإسلام بأنه سبب رئيس في شيوع ظاهرة العنف ضد المرأة في المجتمعات الإسلامية هو كلام غير دقيق بالمرة، بل هو كلام لا يستند إلى مبادئ الإسلام وروحه. فقد دعا الإسلام إلى اللين واللاعنف والرفق والمداراة والعفو في شتى المجالات، وأكد على تجنّب دواعي العنف وأسبابه الرئيسية التي غالباً ما تؤدّي إلى فساد العباد ودمار البلاد.
يقول المرجع الراحل الإمام السيد محمد الشيرازي: "حيث إن الإسلام يروم للبشرية سعادتها الأبدية التي لا تتحقق إلا تحت ظلال اللين واللاعنف، فإنه يحذّر بشدة من أسباب العنف والبطش التي لا تجني البشرية منها سوى الويل والضياع" ويضيف الشيرازي في مجال حقوق المرأة: "فضلاً عن الحقوق الشرعية التي افترضها الشارع المقدّس للزوجة على الزوج، فإن هناك حقوقاً أخرى أكد عليها الإسلام، منها مسألة الرأفة بالزوجة، والعفو عن أخطائها، والتعامل معها بالتي هي أحسن، فإنها -كما تعبّر الروايات - ريحانة وليست بقهرمانة، وهي أسيرة المرء فلا يليق بها أن يكون الرجل عليها جبّاراً، يمتهن حقوقها ويبطش بها كيف شاء وكما يشاء"
قد بوأ الإسلام المرأة مكاناً رفيعاً، ومحلاً شامخاً، وأنَّ الحاكم الإسلامي أيام حكم رسول الله وأمير المؤمنين صلى الله عليهما وآلهما يحترم المرأة ويكرمها بنحو من الإكرام لا يوجد له مثيل في شيء من تاريخ العالم لا في ماضيه ولا في حاضره، حتى وصفها أمير المؤمنين علي عليه السلام بقوله: (المرأة ريحانة) فيلزم على المجتمع الإسلامي اعتبارها ريحانة والتعامل معها على هذا الأساس في شتى مجالات الحياة، وهذا التعبير من الإمام أمير المؤمنين في حقها تعبير دقيق وجميل ومناسب لتكوين المرأة ومجانس لتركيبتها النفسية والعاطفية والجسمية والبدنية.
نخلص مما تقدم إلى ما يأتي:
- إن العنف -في كل الأحوال-غير مقبول وغير مبرر، سواء أقامت به الدولة أو وكلاؤها أو أعضاء الأسرة أو أشخاص غرباء، سواء في الحياة العامة أو الخاصة، في وقت السلم أو في وقت الصراع... وإن للعنف ضد المرأة عواقب بعيدة المدى على المرأة وعلى أطفالها، وعلى المجتمع المحلي وعلى المجتمع الكبير بأسره. ولا ينبغي الاستمرار به؛ إذا ما أريد بناء مجتمعات مسالمة تؤمن بالاستقرار والسلم الأهلي والتنمية المجتمعية.
- لا يمكن القضاء على العنف ضد المرأة من دون الإرادة السياسية والالتزام على أعلى المستويات لجعله ذا أولوية على الصعيد المحلي والوطني والإقليمي والدولي. ويعبر عن الإرادة السياسية بطرق مختلفة، من بينها التشريع، وخطط العمل الوطنية، وتخصيص الموارد الكافية، ووضع آليات لمعالجة العنف ضد المرأة على أعلى المستويات، وبذل جهود للتغلب على الإفلات من العقاب، وإدانة هذا العنف إدانةً يشهدها الناس، والدعم المستدام من القادة وأهل الرأي للجهود الرامية إلى القضاء عليه، وإيجاد بيئة مواتية للأداء الفعال للمنظمات غير الحكومية التي تعمل في هذه المسألة، والتعاون معها، هذه أيضاً إشارات إلى الإرادة السياسية.
- لا بد أن نهتم بتعليم المرأة كما نهتم بتعليم الرجل وربما أكثر، لأن المرأة هي التي تربي الأولاد، وليس المطلوب من الأم أن تربي الولد جسدياً فقط، بل أن تربي له عقله. حتى أن المرأة التي تملك ديناً وأخلاقاً وثقافة تعرف كيف تدير علاقتها مع زوجها، ولذلك اهتم الإسلام بجانب الدين في المرأة والرجل معاً، فقال (ص): "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
- علينا كمسلمين أن نكون السبّاقين إلى كل مؤتمر يرفع شعار العنف ضد المرأة، لأن الإسلام كان السبّاق في رفض العنف كله ضد المرأة، وعلينا أن نتقي الله في ذلك، لأننا سنقف أمام الله يوم القيامة من أجل أن يحكم بين العباد، وشعار يوم القيامة: "لا ظلم اليوم".
وسوم: العدد 761