لماذا تأخّر الحَسمُ في اليمن؟
مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية
أولاً: ضعفُ أداء الشرعية وانقسام المقاومة:
في 21 سبتمبر 2014 قامت المليشيات الحوثية بالتعاون مع قوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح بانقلاب على الشرعية التي أجمع عليها اليمنيون وعلى مقررات الحوار الوطني الذي استمر حوالي عام، وعلى المبادرة الخليجية التي تمت تحت رعاية الدول الكبرى في العالم وبتوافق يمني، وانتشرت قوات التحالف الحفاشي في المحافظات اليمنية لتسيطر عليها تباعاً، وقامت بتفجير المئات من المنازل والمساجد ومدارس تحفيظ القرآن الكريم، وأغلقت مئات الجمعيات والمؤسسات والمراكز الخيرية والتعاونية والحقوقية، وارتكبت آلاف الجرائم والانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين في مختلف المدن والقرى، وبعدما اكتسحت هذه القوات مدينة عدن متجاهلة التحذيرات الخليجية، وبعد إجراء مناورات عسكرية مستفزة في أقصى شمال اليمن عند الحدود الجنوببة للسعودية، مع إطلاق موجة من التهديدات الشديدة ضد السعودية والتوعد بأن الحوثيين وحلفاءهم سيحجّون في الموسم القادم بأسلحتهم إلى مكة بسياراتهم ومن دون جوازات، بعدها أعلنت السعودية وحلفاؤها إطلاق عملية (عاصفة الحزم) التي أطلقت موجة من التفاؤل في وسط غالبية اليمنيين بل وفي وسط عامة العرب والمسلمين، وأوحى اسمها بأنها ستكون عملية سريعة لاجتثاث الانقلاب وإيقاف أحلام الإيرانيين عن التمدد، والتي كانت قد أعلنت بعد الانقلاب بأن صنعاء هي العاصمة العربية الرابعة التي تدخل بيت الطاعة الإيراني!
ومنذ تلك الآونة مرّت على اليمنيين ثلاث سنوات عجاف لم يعرفوا لها مثيلاً على الأقل في العصر الحديث، حيث تضرّجَت أجسامهم بدمائم وتغسّلت بدموعهم، وضجّت ألسنتهم بالآهات والاستغاثات، وامتلأت قلوبهم بالأوجاع والحسرات، وتشردوا داخل البلد وخارجه في ظروف هي الأسوأ على مستوى العالم، ودُمّرت معظم مقدرات البلد من قبل الحوافيش ولم يُقصِّ التحالف العربي بدوره في ذلك، وعجزت البنى التحتية الرديئة في الأصل عن تقديم خدماتها، وتوقفت المرتبات الشحيحة عن الوصول إلى أصحابها، فخلت الجيوب من الأموال وامتلأت القلوب بالغُصص، وشُدّد الحصار على اليمنيين من كل جهة واتجاه، وتنكّرت لهم الأرض وأنكرتهم السماء، ولم يتحقق القضاء على الانقلاب رغم التقدم السلحفائي الذي حققته قوات المقاومة والجيش الوطني بدعم من قوات التحالف العربي، فلماذا تأخر الحسم أو تخلّف حتى الآن؟
في مطلع الإجابة عن هذا السؤال نؤكد أنه لا يوجد سبب واحد يمكن سوقه لكي يكون تفسيرا كافياً لهذا البطئ الشديد في مسيرة دحر الانقلاب، وإنما هي عدة أسباب تتنوع بين الداخلية والخارجية وتتراوح بين الذاتية والموضوعية، وسنمرّ في هذه المقالات الأربع على أهم هذه الأسباب.
وسنقسم هذه الأسباب إلى عدد من المجموعات على النحو الآتي:
أولاً: أسباب تَخُصّ الشرعية والمقاومة:
هناك عدد من الأسباب التي تخص الحكومة الشرعية والمقاومة الوطتية في مختلف المحافظات، وأهمها: 1- ضعف الشرعية:
عندما حدث الانقلاب كانت الشرعية ممثلة بالرئيس هادي لا تملك شيئاً من مقدرات البلد ولا قواته العسكرية والأمنية ولا ولا أسلحت ومعداته العسكرية، حيث كانت ترضخ تحت إمرة الانقلابيين، إذ أدى التحالف مع علي صالح إلى تسليم المؤتمر الشعبي ودولته العميقة كل شيئ لمليشيات الحوثيين، وظلت الشرعية تعاني من ضعف شديد بسبب ذلك، بجانب أن موارد البلد كلها إما تم إيقافه بسبب الحرب كالنفط والغاز، أو وصلت إلى أيدي الحوثيين، كالبنك المركزي الذي كان فيه أكثر من خمسة مليار دولار ومئات المليارات من الريالات اليمنية، وكالضرائب والجمارك ومؤسسات الاتصالات وميناء الحديدة وأهم المطارات التي ظلت تدار من قبل الحوافيش. ويمكن القول بأن الشرعية ضعيفة أيضاً بسبب ضعف رئيسها الذي ظل 16 عاماً نائباً لعلي صالح في رئاسة الدولة والحزب، ولو كان قوياً لكان صالح قد عصف به منذ زمن كما فعل مع كثيرين. 2 - انقسام الأحزاب:
والشرعية هي تجمع لأهم الأحزاب التي كانت في البلد قبل الانقلاب، ويمثل انقيام الأحزاب أحد عوامل ضعف الشرعية، فبعض هذه الأحزاب إنما نشأت من البداية كدكاكين للترزق، ولذلك فإنها لا عمل لها سوى البحث عن المحاصصة، ومن كان يحمل مشروعاً وطنيا منها فإن تراث سنوات طويلة من رقص صالح على رؤوس الثعابين ومن القفز على حبالها جعلها تتوجّس خيفةً من بعضها، ومن ثم فإنها تعيش أزمةَ ثقةٍ خانقة جعلت خصومها يتسللون من خلالها ويلعبون على تناقضاتها
3- اختلاف المقاومات:
رغم شراسة العدو الانقلابي فإن المقاومة التي وُلدت في قلب الأحداث وخرجت من رحم الواقع، لم تتوحد حتى تجت مطارق العدو الذي يهددها بالاجتثاث من جذورها، وإنما كانت انعكاساً لخارطة البلد المليئة بالتناقضات والتباينات، والتي تشوه جدُرَهاَ الثغراتُ والفجواتُ العديدة، وهي التي تسلل الانقلابيون من خلالها ونَفَذَت الثورة المضادة منها إلى المشروع الوطني الديمقراطي الجامع الذي مثّلته ثورة 11 فبراير، وللأسف الشديد فلا توجد مقاومة واحدة وإنما مقاومات متعددة، ولكل مقاومة رؤيتها التي تنطلق منها وقيادتها التي تسير خلفها، ومشروعها الذي تتمحور حوله، وتعز وعدن هما أفضل مثال لهذه الانقسامات بين فصائل السلفيين والإصلاحيين والقوميين واليساريين، بجانب المؤتمريين الذين انضموا للشرعية، فقد عمّقت هذه الخلافات الجروح وأضعفت القوة، وتسبّبت بذهاب الريح وتأخير الحسم، حيث رفعت من معنويات العدو الانقلابي وأطالت عُمرَه!
وسوم: العدد 762