دار الأوبرا المصرية تنهب إبداع الخميسي ! فضيحة!
المقصود بالإبداع المنهوب هو التراث الفني لوالدي الشاعر والفنان المعروف عبد الرحمن الخميسي، مكتشف النجمة الرائعة سعاد حسني وأول من فتح الأبواب للكاتب العظيم يوسف إدريس في جريدة المصري قبل الثورة. أما المادة المنهوبة علنا وجهارا نهارا فهي أوبريت" الأرملة الطروب" التي قام الخميسي بتعريبها وعرضت في أكتوبر 1961 في دار الأوبرا القديمة بكوكبة من النجوم ضمت رتيبة الحفني وحسين رياض ونوال أبو الفتوح وآخرين. وقد دأبت دار الأوبرا في السنوات الأخيرة على عرض الأوبريت وحشو جيوب موظفيها من أرباحه ومع أن الفضل في كل ذلك يعود لصاحب النص عبد الرحمن الخميسي إلا أن الدار لا تضع في إعلاناتها اسم الخميسي صاحب النص وصاحب الفضل فيما تجنيه الدار من كسب مادي وتألق أدبي. بقدرة قادر يختفي اسم الخميسي الذي عرب الأوبريت من كافة الأوراق حتى من دفاتر الشئون القانونية للأوبرا التي لا تدري في جملة تعاقداتها مع الفنانين العاملين من أين جاءها نص بلا مؤلف ولا تعاقد ولا ضرائب ولا أي شيء. نص هبط على الدار بأجنحة بيضاء ووجهه يشع بالنور، فلم يسأل أحد : من مؤلفه؟! وقد قامت دار الأوبرا في السنوات الأخيرة بعرض"الأرملة الطروب" في ديسمبر 2007، وعرضتها في مايو 2013 على مسرح سيد درويش في الاسكندرية وقدمتها في فبراير الحالي 2018، بدون اسم الخميسي مبدع العمل! وفي النشرة التي توزع مع البطاقات سنقرأ كلمة الدكتورة إيمان مصطفى وكلمة أخرى للدكتورة رشا طمطوم، ومع أن اختصاص الاثنتين هو الأوبرا، لكنهما لا تدريان من هو مؤلف العمل الذي يكتبون له مقدمة وتعريفا! الأخطر من ذلك أن تتجاهل المطبوعات حقيقة تمس تاريخ المسرح الغنائي وهي أن الأرملة الطروب عرضت لأول مرة في أكتوبر 1961! وبذلك يتم الاعتداء ليس فقط على حق المؤلف، بل والاعتداء على حق الثقافة المصرية في تثبيت تاريخ مسرحها. تأكل دار الأوبرا كل هذه الحقائق مع أن كافة القائمين على العمل بما في ذلك مدير دار الأوبرا متعلمون، ودكاترة ولله الحمد، واختصاهم هو"الأوبرا والباليه" !! لكنهم في صميم اختصاصهم لا يعلمون ويا للعجب بأن تعريب الأرملة الطروب تجربة تمت مرة واحدة فقط في تاريخ المسرح الغنائي، مرة واحدة، لصعوبة ترجمة الكلمات بحيث تطابق المعنى من ناحية، وبحيث تطابق اللحن أيضا، وهي المعجزة التي قام بها عبد الرحمن الخميسي لأنه كان شاعرا وموسيقيا في وقت واحد. بهذا الصدد كتب الناقد الكبير فرج العنتري في مجلة الشهر عدد نوفمبر 1961 بعد عرض الأوبريت يقول:" وآية المعجزات في هذه الأوبريت مجهود عبد الرحمن الخميسي باعتباره همزة الوصل العربية لايصال مضمون القصة الأوروبية إلي سمع المواطنين.. كانت عليه مسئولية تفصيل الكلمات العربية على مقياس ما لحنه فرانز ليهار الموسيقي المجري وكان عليه أن يقص الحكاية....وقد نجح الخميسي واحتل عندنا مقام الصدارة بين رواد ترجمة الروائع فاستحق التهنئة مثني وثلاث ورباعا ولعله يواصل". نحن إذن أمام عمل غنائي فريد لم يتكرر، وقد تحدثت كوكب الشرق أم كلثوم عن الأوبريت مع الشاعر الكبير صلاح جاهين الذي كتب في مجلة صباح الخير يقول: " شاهدت أم كلثوم في أحد بناوير الأوبرا تتابعها باهتمام، فتقدمت إليها بعد انتهاء الحفل أسألها بخبث:" بيني وبينك كده .. ماحدش سامعنا .. كان تصفيقك ده تشجيع للفنانين بس.. ولا إعجاب؟". فقالت لي:" اعجاب يا أخي طبعا.. كنت فرحانة بأن تجربة زي دى نجحت.. عجبتني زي ما يعجبني موديل أي حاجة .. يعنى المهم أنها كانت قالب قدام ملحنينا ومؤلفينا يمكن يصبوا فيه إللي هم عاوزينه .. الحقيقة مجهود عظيم ونتيجة مشرفة"! وقد التقيت بمدير دار الأوبرا د. مجدي صابر لتصحيح خطأ الدار الجسيم بإغفالها لسنوات طوال اسم الخميسي فأحال القضية للشئون القانونية لكي تبت في مسألة " من هو صاحب النص"!! والاستنتاج الوحيد أن دار الأوبرا تعرض نصا لا تدري لمن؟! أو أنها وجدت نص الأوبريت بدون توقيع بجوار مطعم فأعجبها وعرضته؟! فهل يصل التهريج إلي هذا الحد لدي المسئولين عن المراكز الثقافية في مصر؟ أم أن الذي أغراهم بإغفال اسم الخميسي هو تنحية حقوقه المادية؟ لصالح من؟ لقد كانت حياة عبد الرحمن الخميسي طويلة وغنية وحافلة بشتى أنواع الابداع، كتب خلالها القصة والقصيدة والمسرحية والمقال، وكان ممثلا ومخرجا إذاعيا وسينمائيا ومؤلف أغنيات من أشهرها " ماتزوقيني يامام"، وترك بصمة بصفته ممثلا بالقيام بدور الشيخ يوسف في فيلم"الأرض"، وشمل المسرح الغنائي باهتمامه فكتب أوبريت" مهر العروسة"، وأوبريت" الزفة"، وفي عام 1960 قام بتعريب " الأرملة الطروب"، ولم يكرر أحد تجربته في التعريب إلي الآن. ورغم مسيرة عبد الرحمن الخميسي الطويلة فلم يتم تكريمه مرة، ولا حظى بجائزة من الدولة مرة، ولا أعيدت طباعة أعماله مرة، ثم تأتي دار الأوبرا الآن وتنهب تراثه وإبداعه وحقه كمؤلف بإعلانات في وضح النهار، وخلال ذلك تتباهى دار الأوبرا بما أنجزه الخميسي كأنه انجازها! وتحصد المال من ورائه لكن مع إنكار اسمه ومحو إبداعه وحقوقه وعرقه!! أهذه هي إذن المؤسسات الثقافية التي تقود الثقافة في بلادنا؟ والتي يفترض بنا أن نعتمد عليها في معارك التنوير وغيره؟ أهذه هي المؤسسات الثقافية؟!
وسوم: العدد 763