إيران والحرب والحديث عن خيار تقسيم سوريا
تغييرات في واشنطن … وجهوزية عسكرية أميركية براً وبحراً وجواً… والتطورات تنذر بمواجهة عسكرية شاملة في المنطقة ….والإعلام الإيراني يقلل مما يجري …، ويتحدث عن النووي والصاروخي ونفوذ طهران الإقليمي..، ويسرب تقارير إعلامية عن احتمالية موضوع تقسيم سوريا كأحد الخيارات المحتملة للأزمة المندلعة هناك منذ أكثر من سبع سنوات عجاف ؟
وهل هناك فعلاً مصلحة إيران من محاولات تقسيم سوريا، وتفتيت كيانها الوطني ووحدتها الجغرافية، والديموغرافية والسياسية ؟
وهل يشكل ذلك قاسماً مشتركاً أعظم بين دولة الولي الفقيه وروسيا وأميركا وإسرائيل في هذا التوقيت على قاعدة ” أخف الضررين “؟ في الوقت الذي طالعنا فيه الكثير من التسريبات والمعلومات التي أشارت إلى أن سوريا و المنطقة باتت تسير نحو سيناريو التفتيت إلى دويلاتٍ، المضحك أن طهران كانت تحذر من ذلك ، والآن أصبحت ” بقدرة قادر ” تروج إلى هذا المشروع بامتياز. لكن لماذا يا تُرى ؟
بات في ُحكم المؤكد أن هناك مشروع يحاك في الظلام، عنوانه قرب مشروع تفاهم اميركي روسي على تقاسم المجال الحيوي السوري، وأن إيران تداركت مصلحتها عاجلاً من خلال القبول بأن تتقاسم الكعكعة على قاعدة تقسيم المغانم على أساس السطو على حقول الغاز والنفط براً وبحراً، في محاولة صارخة لتقسيم سوريا المفيدة ،في محاولة بائسة تعكس سياسة ” الكاوبوي” ، ولتجسد مشهد مآساوي أشبه ما كان يحدث في القرون الوسطى، وهذا التفاهم حول تقسيم سوريا ورسم خرائط جغرافية جديدة لها يجري على قدم وساق وفق نظرية باتت لا تعترف بحدود المجال الحيوي المذهبي الذي رسمته طهران على أطلال الدولة السورية، ولكن المثير أن ما يجري حين يتحدّث الإيرانيون في تسريباتهم الإعلامية عن «حلول». أهو تقاسم للنفوذ في ما بينهم برضا جميع الفرقاء، أم أن الرافض سيخرج ب” خفي جنين ” ؟؟ .
دولة الولي الفقيه بدأت تشير أن تقسيم سورية ربما يكون أحد الخيارات المفيدة، بذريعة حماية الأقليات والحؤول دون المذابح، وسيشكل أرضية مناسبة خشية من عودة تنظيم « داعش والقاعدة ومن والاهم »؟ من هنا لم يعد من يبحث عن حل من المفروض أن ُيحافظ على وحدة سورية شعباً ودولةً وجيشاً وأرضاً ومؤسسات – على افتراض أن هذا هدف «التفاهم» الأميركي – الروسي – الإيراني المفترض، ولكن كل الدلائل تشير خلاف ذلك .
وعلى الرغم من إدراك طهران أن المساعي الأمريكية، والمخطط الأشمل لأمريكا، قائم على فكرة تحجيم النفوذ الإيراني، والاستمرار في تبني فكرة تقسيم الشرق الأوسط وليس سوريا فقط إلى دويلات متنازعة على أساس طائفى وعرقي؛ وتحديداً بين الشيعة والسنة، وهو الأمر الذي ربما يخلق – حسب الرؤية الغربية – جبهة تنوب عن أمريكا والغرب في المواجهة ضد إيران، فالحرب والقتال ضد الشيعة في سوريا على هذا الأساس سيقودان بطبيعة الحال حسبما يأمل الأمريكيون إلى حرب من نوع آخر ضد النظام الإيراني الحليف الأكبر للأسد. وهنا تجد الولايات المتحدة بين العرب والمسلمين السنة من ينوب عنها في مجابهة طهران الراغبة أصلا بتسوية حساباتها مع العالم العربي، وتدمير الدول الفاعلة في النظام الإقليمي، والتي قد تتبدل المعادلة، وُتمثل دولا داعمة لمواجهة النفوذ الإيراني، حيث قد تمثل سوريا دولة مرشحة للقيام بهذا الدور في حال نجاح الإطاحة بنظام الأسد، وهو ما قد يحدث فعلاً بعد تقليم أظافر إيران هناك إلى الحدّ الذي يعيد التوازن إلى الإقليم .
هذا الأمر يفسر بشكل كبير إرادة إيران بتحويل الدولة والكيان السوري إلى مجرد نازحين، وإفراغ حاضرة الخلافة الأموية منها عبر أدوات فارسية إيرانية متعطشة للانتقام المذهبي، وهذا ما يتضح من خلال المذابح التي كان آخرها ما يحدث في الغوطة الشرقية التي باتت يمثل تدميرها أحد أولويات طهران كما أعلن عن ذلك قائد الجيش الإيراني قبل أيام قليلة بحجة القضاء على الإرهاب. من هنا باتت إيران التي كانت أحد أدوات المشروع التقسيمي “الشرق أوسطي الجديد الذي أخذ بالتشكل وفق أسس المحاصصة على مغانم الطاقة ، مع تكثيف غير مسبوق للوجود العسكري البري والبحري والجوي ، والذي يبدو انه الآن سيتحول الى ملف سيتم تحويله إلى الآله العسكرية الأميركية لفرضه كأمر واقع ، بالمقابل ستسعى فيه دولة الولي الفقيه لاقتناص الفرصة التاريخية للدفاع عن مصالحها : إما بالتوافق مع أميركا وروسيا أو أن تدفع ثمن معارضتها غالياً .
لا شك بأن طهران لا تريد المواجهة مع إدارة (ترامب)، لأنها تدرك عواقب ذلك، وبموازاة ذلك تطمح بأن تلعب دوراً محورياً في أية ترتيبات إقليمية، وحليفاً استراتيجياً بالوكالة لأي طرف يؤدي المهام ” القذرة ” في تحقيق المشروع التقسيمي. وهذا الأمر يطرح إشكالية مهمة، بعدم رغبة واشنطن – القوى العظمى الأولى في العالم – بعد الدفع باتجاه حل سياسي يعيد الأمن والاستقرار للأزمة السورية لغاية الآن، وهذا الأمر له مغزاه ودلالاته الخطيرة في ظل طرح كثير من التسريبات حول مشروع القرن، فعن أي قرن يتحدثون. وهذا الأمر يتضح من خلال التعيينات التي جرت على منصبي وزير الخارجية والسي أي ايه والتي بدأت تؤشر “أن الأولوية الأميركية لإيران وخطرها أولاً لا لسورية”. بموازاة ذلك فأولوية إيران، في أي اتفاق محتمل بينها وبين أميركا في حال رضخت للمطالب الأميركية، فهي الاعتراف بالدور الإيراني في أي مشروع حل في سوريا .، ولإيران تجربة ممتازة في مشروع الكانتونات والجيوب التي تشغل المنطقة والعالم عن مشروعها في الهيمنة والنفوذ . هي إذا ….إشعال للحرب الأهلية و «ميزة» هذه الحرب أنها تتيح «التطهير العرقي/ الطائفي»، وتمنح الدول الكبرى فرصة رسم الحدود التي يريدها لـ «الدولة العلوية، والدولة الكردية، والدولة السنية »، ومن أجلها يقاتل الآن إيران ومرتزقتها في الغوطة الشرقية بلا هواده . والأهم من ذلك أن «الحرب الأهلية » تبرر فتح خريطة البلد لإعادة النظر في توزّع السكان والمناطق، خصوصاً مع استعصاء الحلول المبنية على «توافق وطني».
وبالتالي بات السيناريو القائم على ضرورة بلقنة المنطقة العربية، وتقسيمها على أساس عرقي وطائفي هو الأقرب . وكانت سوريا بحكم تركيبتها السكانية التي يغلب عليها البعد الطائفي هي النموذج المطروح للتطبيق، مع وجود بيئة خصبة وظروف مواتية تمثلت في الثورة على نظام الأسد ومحاولات الدفع باتجاه حصر الثورة في البعد الطائفي، والصراع بين الأغلبية السنية والأقلية العلوية الشيعية الحاكمة.
هذا سيناريو رائع ومبشر: لأميركا وروسيا، وإسرائيل وإيران معاً، مع اختلاف الأهداف والدوافع. وإذا كانت الأولى باتت تُسمِع صوتها في الأزمة السورية فقط من باب «استخدام السلاح الكيماوي وارتكاب المذابح ضد المدنيين العزل »، فإن الإشارات التي تطلقها أميركا باتت أكثر وضوحاً في تحديد أهدافها بعد إنشاء سبعة قواعد عسكرية في سوريا، وتكثيف وجودها العسكري البحري .
إيران باتت جاهزةً لقبول مثل هذا الاحتمال، في سورية وحتى في العراق، لبنان، اليمن …، فبالنسبة إلى إيران، فالهدف هو البقاء في سورية، أكان ذلك عبر تغيير شخص النظام وإجراء عمليات تجمليه له، على كل سورية مهما بلغت الكلفة الدموية أو عبر سيطرته على جزء من سورية. فالحرب الدائرة حالياً هي عند إيران، حرب شيعية – سنيّة أصبح لها امتداد عراقي لبناني يمني أفغاني …. وبالتالي لم يبقَ لإيران من هذا النظام السوري سوى بعده المذهبي، وهذا سبب كافٍ لأن تعلن دولة ولي الفقيه القابع في طهران، بأنه لا مشاريع تسوية في سوريا بدونها .
من جديد عاد إلى السطح سيناريوهات مخطط تقسيم سوريا للحيلولة دون تكوين دولة “سنية” قوية هناك، وليس من قبيل المصادفة أن الجماعات الغربية التي طلب منها بعض أطراف عائلة الأسد درس سيناريوهات إقامة «الدولة العلوية» يوجد في مجالس إداراتها قريبون من إسرائيل. وليس من العفوية أن يُنقل عن هذه الجماعات أن تلك «الدولة» يمكن أن تعيش فقط بتوافق إيران وإسرائيل على ضمانها حمايةً وتسويقهاً دولياً. فمثل هذا التوافق، غير المستبعد، يمكن أن يستدرج ضماناً روسياً – أميركياً ويسهّله. ووفق رؤية أخرى تخالف الرؤية الإيرانية : أما نظام (بشار الأسد) فيحاول توظيف عدة متغيرات لإطالة أمد حكمه :
-أولها : متغير الجبرية الجغرافية، وهو ما يفسر فشل القوى الدولية في الاتفاق على التدخل العسكري في سوريا بسبب الجوار مع إسرائيل المستفيدة الأكبر من تدمير مقومات الدولة السورية، وتحذير الغرب من الوقوف إلى جانب ما سمته الارهابين، والمخاطرة بظهور طالبان جدد في المنطقة .
الورقة الأخطر التي تتلاعب بها طهران، هو محاولة توظيف تلك المواجهة المذهبية بشكل أخطر، تمهيداً إلى السقوط فى براثن الحرب الطائفية، في الوقت الذي تسعى فيه إيران لتشديد قبضتها على مفاصل الدولة السورية، وتعزيز قوة المليشيات الموازية التي أنشأتها، وتدعيم قدرتها للسيطرة على المناطق الحيوية ، والتفكير بتحول الدولة السورية المهترئه إلى نظام محاصصة طائفية على غرار النموذج العراقي، الذي بات يمثل أحد نماذج ” عبقرية الفشل ” في إنشاء الدول، ما تتحسب له دولة الولي الفقيه هو تفاقم الأزمة السورية، وحدوث انهيار مفاجئ لنظام بشار الأسد. وهو ما لا تريده فعلاً قبل الاتفاق على أي تسوية .
لهذا فهي تشارك منذ فترة ليست بالقليلة، بالتنسيق مع حزب الله الذراع الضارب لها في سوريا، في اختيار وزرع شخصيات موالية في مراكز القرار داخل الدولة السورية؛ خصوصاً داخل المؤسسة العسكرية والأمنية، كي يلعبوا دوراً في رسم السياسات التي تنسجم مع السياسات العليا للدولة الإيرانية.
المحور الثاني : يهتم بـ “جمع معلومات شاملة عن جميع قطاعات الدولة السورية، وتحديد مصادر التهديد، التي قد تسرع بانهيار النظام، وتسعى تقديم الدعم والاقتراحات المناسبة للنظام السوري في مختلف المجالات والهدف من ذلك ضمان بقاء الدور الإيراني في صلب الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية وتعزيز الاعتقاد بأن دولة الولي الفقيه حاضرة بقوة لحماية النظام، وهي الضمان لبقائه .
أما المحور الثالث : فانه تهتم بـ “المشاركة الواسعة في الحرب ضد المعارضة السورية بتلاوينها المختلفة وتصعيد عملية الانتقام والتصفية على أساس طائفي عنصري، وكذلك تكثيف الاستمرار في تقديم السلاح والدعم للنظام ومرتزقته في مختلف المجالات، وتقديم التوصيات بكيفية التعامل العسكري والأمني مع أية مستجدات، والإسهام في رصد أية تحركات ونشاطات قد تهدد أمن النظام، وتأمين حماية بشار الأسد والنخبة السياسية، العسكرية، والأمنية .
ويتضمن المحور الرابع : الاستمرار في دعم تشكيل وتدريب وتسليح الميليشيات ” الموازية ” الوافدة من الخارج ، لتأمين دعم النظام، وهو نشاط مستقل تماماً عن بقية الأنشطة ويحظى برعاية خاصة من الحرس الثوري الإيراني، وهناك مجهود خاص واستثنائي جرى من قبل قاسم سليماني لإعادة تنظيم الميليشيات وعملها بداية بحيث تكون مهمتها العسكرية العمل على دعم النظام السوري لضمان ديمومة بقائه، ومنع إسقاطه بأي شكل، والتحسب لأية ضربة عسكرية أميركية للنظام. في الوقت الذي باتت فيه هذه الميلشيات قوة ضاربة داخل الدولة السورية نفسها، إذ تسعى طهران لضمان وجود قوة عسكرية على الأرض تتلقى الأوامر من الحرس الثوري مباشرةً، لا من أي أحد آخر، وهي فلسفة يشرف عليها خامنئي بنفسه، مع التحسب لمواجهة عسكرية مع واشنطن قد تندلع في أية لحظة، لتنتقل طهران إلى الخطة ” ب” كما بشرنا (علي لاريجاني) رئيس مجلس الشورى الإيراني .
يبدو الأكراد أكثر طموحاً للبحث عن مكان على أرض سوريا الجديدة، ولو من خلال كيانات فيدرالية تحفظ حقوقهم العرقية، وهو ما باتت تدعمه روسيا وأميركا . وفى هذا الإطار جاءت دعوات بعض القيادات في الإدارة الأميركية إلى دعم تقسيم سوريا وإقامة كيانات فيدرالية على أساس مكوناتها القومية والعرقية المختلفة. وربما أن مثل هذه الأقاليم الفيدرالية الكردية والدرزية والعربية السنية لن تكون لها مصلحة في التحالف مع دولة القرون الوسطى “إيران”، وهو ما باتت تخشى منه طهران وبقوة …
وسوم: العدد 764