سؤال موجه إلى المسؤولين عن الشأن الثقافي في حاضرة زيري بن عطية

سؤال موجه إلى المسؤولين عن الشأن الثقافي في حاضرة زيري بن عطية ما مصير خزانتي الشريف الإدريسي والبلدية ؟؟؟

يذكر جيدا أبناء مدينة وجدة من جيل ما بعد الاستقلال يوم كانت مطالعة الكتب والمؤلفات شأنا يلازم الدراسة في الفصول الدراسية ،حيث كانت للعروض في مختلف المواد الدراسية مكانة في المناهج والبرامج التعليمية إذ كان المدرسون يكلفون طلبتهم بإنجازها خارج الفصول الدراسية لتعرض ، وتناقش ، وتقوّم . وكان إنجاز هذه العروض يتطلب  من المتعلمين اعتماد المصادر والمراجع التي كانت تضمها رفوف خزانتي الشريف الإدريسي وبلدية وجدة . وكان الطلبة ينخرطون في هاتين الخزانتين ، ويحصلون على بطاقات تسمح لهم بولوجها ، والمطالعة فيها ، واستعارة ما يحتاجونه من كتب مؤلفات  . وكان إقبال  الطلبة على الخزانتين كبيرا ، ويرجع الفضل في ذلك إلى مدرسيهم في توجيههم إليهما ، وتحبيب استعارة ومطالعة الكتب  لهم لتطوير مهاراتهم القرائية والتحريرية. وكانت في الخزانتين نفائس من أمهات الكتب تطالع فيهما ، ولا يسمح بخروجها بينما يسمح  بإخراج غيرها من المؤلفات . وكان طلبة المؤسسات خصوصا الثانوية منها يتعرفون على أساطين الفكر والأدب من خلال ارتياد هاتين الخزانتين . وقد كانت فترة الستينات والسبعينات فترة إقبال الطلبة على المطالعة ، وكانت بينهم وبين الكتب والمؤلفات صلة كبيرة ، وكان معظمهم من أسر معوزة لا تقوى على توفير كتب المطالعة لهم . وكانت الخزانتان توفر لهما حاجياتهم من تلك الكتب والمؤلفات . وكانت تنافسان خزانة المركز الثقافي الفرنسي الذي كان اقتناء كتبه ومؤلفات خزانته يتطلب دفع مقابل، بينما كانت خدمة الخزانتين مجانية ،ومشجعة على المطالعة ، تحببها للناشئة المتعلمة .

وأتى على طلاب حاضرة زيري بن عطية زمن انقطعت صلتهم بالكتب والمؤلفات والمطالعة وإنجاز العروض ، وانقطعت أخبار الخزانتين ، ولم يعد جيل ما بعد الستينات والسبعينات يعلم من أمرهما شيئا .

وبمناسبة اختيار هذه الحاضرة عاصمة للثقافة العربية ،أصبح من اللازم على المسؤولين عن الشأن الثقافي فيها الكشف عن مصير مخزون الخزانتين من الكتب والمؤلفات . وقد تتناول بعض العروض أو المحاضرات خلال التظاهرات الثقافية بهذه المناسبة الحديث عن دور الخزانتين في نشر الثقافة العربية في فترة من الفترات التي مرت بها هذه المدينة ، وحينئذ يجد المتحدث عن ذلك نفسه مضطرا للحديث عن مصير ثروتهما المختفية  أو الضائعة . ويتعين على الجهات المسؤولة أن تخضع للمساءلة كل من كانت له صلة بالخزانتين ، وأن تحاسبه حسابا عسيرا إن  ثبت ضلوعه في ضياع ثروتهما من الكتب والمؤلفات .

وأذكر أنني يوم كنت أدرس بثانوية الشريف الإدريسي للتعليم الأصيل اطلعت على سجلات ضخمة كانت تتضمن عناوين كتب ومؤلفات منها أمهات ، وحين سألت عنها قصد الاطلاع عليها أخبرت أنها اختفت ، ولم تبق إلا السجلات شاهدة على أنها كانت في رفوف هذه المؤسسة قبل أن تنتقل من مقرها السابق إلى مقرها الجديد . وبالرغم من اعتماد وزارة التربية الوطنية جهازا لمراقبة الخزانات المدرسية ، فإن هذا الجهاز لم يكشف عن مصير كتب ومؤلفات خزانة هذه المؤسسة ، وعن المسؤول عن اختفائها ليتابع ويحاسب .

ومعلوم أن أكبر جناية ترتكب على الإطلاق هو سرقة الكتب والمؤلفات لأن في ذلك منعا لانتشار العلم والمعرفة ، وكتما لهما علما بأن من يكتمهما يلجمه الله عز وجل بلجام من نار . ومعلوم أيضا أن ما يوضع في الخزانات من كتب ومؤلفات ووثائق يعتبر وقفا دينيا ، يبقى كذلك عبر الأجيال ويصان من كل تلف أو ضياع.

وبمناسبة اختيار حاضرة زيري بن عطية عاصمة للثقافة العربية ، نهيب بكل ذي غيرة على سمعتها الثقافية أن يساهم في الكشف عن مصير ثروة الخزانتين ، ونأمل أن تعودا كما كانتا مصدر إشعاع ثقافي ، وأن تطلق حملة جهوية لاستعادة ما ضاع من ثروتهما الوثائقية بل وأكثر من ذلك ترفع دعوة للمساهمة في إغنائهما  بتشجيع مثقفي المدينة على التبرع بكتب ومؤلفات ووقفها  بهما، واحتساب أجر ذلك عند الله عز وجل ، ومن أجل خدمة العلم والمعرفة ، وهو واجب ديني،و لتكون مدينتا بحق عاصمة للثقافة العربية ،ولتبقى مصدر إشعاع ثقافي  دائما بعد انتقال مشعل الثقافة إلى غيرها من الحواضر العربية  مستقبلا .

فهل سيجد هذا النداء آذانا صاغية ؟ نأمل ذلك ، ونتوسم كل خير في أهل هذه الحاضرة المحروسة .  

وسوم: العدد 769