تسييس الاغتصاب: الأنظمة العربية تشرعن التوحش
تزايدت، في الفترة الأخيرة، التقارير والتحقيقات التي توثق استخدام أنظمة عربية للاغتصاب كسلاح سياسي.
التفاصيل المرعبة الكثيرة جاءت من سوريا والعراق واليمن وليبيا، وهي بلدان تشهد أزمات سياسية كارثية، لكنّ هذا لا يعني أن أنظمة البلدان العربية الأخرى، التي تتمتع باستقرار نسبيّ، لا تستخدم الاغتصاب ضد النساء والأطفال والرجال كسلاح ضد معارضاتها، فالأمر يتعلّق بالكمّ لا بالكيف أو بالعقلية التي تحكم أجهزة أمن تلك الأنظمة.
تقوم هذه «الاستراتيجية»، في سوريا على سبيل المثال، على اعتقال النظام لزوجات أو بنات المعارضين واستخدام العنف الجنسيّ المروّع، بل إن الأجهزة الأمنية، تقوم أحيانا، بإرسال أشرطة فيديو لتلك الاغتصابات، إلى الأزواج أو الأبناء والأقارب المستهدفين، وهم عادة من المنتمين لحركات إسلامية، وذلك لإذلالهم وترويعهم، لما لهذه العملية من تأثير معنوي خطير ضمن مجتمعات متدينة تعتبر الاغتصاب انتهاكا يعادل الموت المعنويّ للضحية وأقاربها، ويترك أذى نفسيا لا يضاهى.
وكشف تقرير لمنظمة العفو الدولية بداية هذا الأسبوع أن أعدادا كبيرة من النساء المعتقلات لزواجهن أو لعلاقات مفترضة بتنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق يتعرضن للعنف الجنسي على أيدي قوات الأمن والحراس المسلحين وأفراد الميليشيات الذين يعملون داخل مخيمات النازحين. وقد تمكنت «القدس العربي» من التأكد من مشاركة موظفين في وزارة الهجرة والمنظمات المرتبطة بها وعناصر أجهزة أمنية، هي الأمن الوطني والحشد العشائري والشرطة، في تلك الانتهاكات، وهو ما يجعلها ذات طابع رسمي ومنهجي، كما هو الحال في سوريا.
في اليمن أيضاً اتهمت منظمة «هيومن رايتس ووتش» مسؤولين يمنيين بتعذيب واغتصاب نساء وأطفال في مركز للاجئين الأفارقة، وقد انكشف أن عمليات الاغتصاب كانت بإشراف مدير المركز والذي يشغل حاليا منصب مدير شرطة مديرية المعلا في عدن.
وإذا كان الاغتصاب أحد الأساليب المنهجية لنظام الزعيم الراحل معمر القذافي، والذي مورس خلال حربه لقمع الثورة ضده عام 2011، فإن الحرب الأهلية المفتوحة جعلت العنف الجنسي، وخصوصاً ضد اللاجئين الأفارقة، من قبل المهربين، وعصاباتهم المسلحة، وبعض الميليشيات العسكرية.
لا يقتصر تسييس العنف الجنسي على البلدان العربية بالتأكيد، فلأسباب يطول شرحها، فإن الكثير من الأقلّيات المسلمة في العالم، تتعرّض لهذه العقوبة الجماعية، كما هو حال أقلية الروهينجا في بورما (ميانمار)، وبين المئات (وربما الآلاف) اللاتي تعرضن للاغتصاب، هناك فتيات بعمر ست سنوات، وهذا العقاب، إضافة إلى عمليات الحرق والقتل، أدّت، كما هو معروف، إلى نزوح أكثر من 700 ألف روهينجي إلى بنغلادش، وقد أدّى اغتصاب فتاة بعمر الثامنة في قرية هندية أيضاً إلى نزوح أهل القرية المسلمين جميعهم، وهذا يعني أن هذه الممارسة الوحشية أدت النتيجة المطلوبة منها.
رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، علّق على الحادثة الأخيرة بالقول إن «الاغتصاب اغتصاب ولا يجب تسييسه»، وإن الاعتداءات الجنسية التي تشهدها الهند حاليا عار عليها، وهو تبرؤ سياسي حميد من فعل تقوم به جماعات على أسس دينية وطائفية (رغم أن حزبه نفسه يقوم على أسس دينية هندوسية)، وهو يرفض، حتى لو كان الأمر لفظيا، هذا الفعل الشنيع.
في المقابل فإن السلطات العراقية، وبدلا من مواجهة الحادثة بصدق ومحاولة معالجة أسبابها (أو التظاهر بذلك) فقد قامت بنفي حصول انتهاكات مؤكدة «حرص» الحكومة» على «عدم حصول أي تجاوز أو خرق قانوني أو انتهاك لحقوق الإنسان»، وهو أمر، يبرّر ضمنيّا تلك الانتهاكات ويضمن استمرارها.
يوضح كل ذلك فقدان تلك الأنظمة العربية لشرعيتها الإنسانية، وأنها استمرار لحقبة وحشيّة تقوم على الإبادة الجسدية والمعنوية لخصومها، وهي في تعزيزها لهذه «الثقافة» الوحشية ونشرها ودفاعها الصلد عنها تقول لمحكوميها إن التوحّش والطائفية والإبادة هي التسعيرة الموجودة لزوالها، وأن كل الأجهزة الأخرى من برلمان وقضاء وأحزاب ليست إلا كاريكاتورات لا معنى لها.
وسوم: العدد 769