آستانة .. حصاد الوهن .. والعجز والمكر
انعقد الأربعاء / 25 / 4 / 2018 اللقاء الثلاثي لوزراء خارجية الدول الضامنة لمسار أستانة ، ولاتفاقيات خفض التصعيد ( المزيفة ) في سورية .
وخرج المجتمعون في موسكو ببيان من إحدى عشرة نقطة ، هي في جملتها كلام معاد مكرور ، لا يسمن ولا يغني من جوع . وأكثر ما يثير السخرية والهزء فيه : تأكيد الفرقاء على التمسك بالحل السياسي في سورية ، التمسك بالحل السياسي بينما آلة العدوان العسكرية ما تزال تعمل فتكا وتدميرا في أديم الشعب السوري . إن تحقيق الحل السياسي بالمفهوم الروسي لن يتم إلا باستخدام جميع أنواع الأسلحة بما فيه المحرم دوليا من كلور وسارين ، ثم مع استعداد متبجح لاستنكار الجريمة في واد كما ورد في بيان الوزراء ، والتغطية عليها ، وحماية مرتكبها ، وطمس شواهدها ، وتزييف شهودها ، في واد آخر .
ولكن الأشنع في البيان ( الأحدعشري ) هو النقطة الرابعة منه التي اعتبرت ، (جريمة أستانا )، أو (محطة مكر أستانا ) [ المبادرة الدولية الوحيدة التي أدت إلى تحسين الأوضاع في سورية ، فيما يخص محاربة الإرهاب ، وتخفيض مستوى العنف ، وتهيئة الظروف لإقامة حوار سياسي ] انتهى ( كلام مقتبس من البيان الثلاثي ..)
ولما كان مؤتمر أستانة وما نتج عنه ، ما يزال موضع ريبة ، عند فريق من السوريين ، الذين لم يكن لهم فيه أي يد ولا دور ولا كلمة ولا حرف إلا أنهم منحوا القاتل الروسي وشريكه الإيراني ، شرعية تمرير المؤامرة ، الهادفة إلى الإحاطة بالشعب السوري وتدمير ثورته ، والالتفاف على تطلعاته الإنسانية المشروعة . فلا بد وقد حصحص الحق ، ولم يعد يجادل في أستانة إلا الراغبون عن الحق ، المعرضون عن الاستفادة من التجارب !!
إن الحديث عن أستانا بالنسبة لنا لا يختلف عن الحديث عن جنيف غير أن أستانا استبدلت بأصحاب الياقات البيض في جنيف بأصحاب الياقات (الكاكي) في أستانة ..فلعبت على بعض الأبعاد الشخصانية ، في حالة مجتمعية وبشرية اختلطت فيها المعالم وضاعت الحدود ..
لقد أغفل البيان الثلاثي ، أي إشارة إلى ميار جنيف ، الذي يمثل على سوئه ، مرجعية أقل سوء من مرجعية 2 × 1 القائمة في أستانة. إذا صح للسوريين الواحد ، وقدر ..
انطلقت عملية أستانا في مطلع 2017 ، على أنقاض سقوط حلب الشرقية ، في إطار اتفاقية درع الفرات ، ومنذ ذلك التاريخ والفصائل السورية تتردى في خط بياني لا قرار له .
وانطلقت أستانة عمليا في شهر كانون الثاني 2017 ، ومنذ ذلك التاريخ وحتى تاريخ هذا المقال انعقدت في أستانا تسع جولات حوار ، كانت تعاويذ الحل السياسي ، والمصالحة ، وسورية الدستورية ، تتلى في الوقت الذي كانت معاناة المعتقلات من السوريات والمعتقلين من السوريين يعانين ويعانون من كل ما توثقه منظمات حقوق الإنسان ، ولا نريد أن نزيد أو نعيد ..
يقول المحلل السياسي : لقد أثمرت أستانة حالة من الوهن في نفوس الثوار ، فكلهم فقد حلمه بالحرية أو بالشهادة . ففي سورية وحدها دون دول العالم ومجتمعاته يجب أن يتوحد الحلمان ، أو يضيعا. وأصبح الثائر يبحث عن حل .. أي حل يبقيه أو يقيه وكانت أستانة هي المفزع وهي المأمن .
ويقول المحلل النفسي : إن الذين ذهبوا إلى أستانة لم يذهبوا إلا وقد أعدم السلاح الروسي إراداتهم وأنضج جلودهم السلاح فأيقنوا أنهم لا قبل لهم به .. وبدلا من أن يبحثوا عن استراتيجية جديدة لمواجهة الواقع العسكري الجديد ، قرروا أن يسيروا فصائل في ركاب عدوهم يأملونه ويرجونه وينتظرونه ..
ويتمدح متمدحهم : قلنا للروسي ، وطلبنا من الروسي ، ورفعنا الصوت في محضر الروسي ، كما كان يقول من سبقهم قلنا لديمستورا أو لسعادة السفير الأمريكاني أو البريطاني أو الياباني ..( ياباني )
صحيح أن بعضهم ظل يتحدث عن عناق البندقية ، ولكن هذا الحديث لم يكن إلا حديث المعاذير ، لتشجيع النفس ، كما كان يفعل الراجز العربي من قبل ، أو كغناء من يغني في الطاحون ، حيث يضيع صوته بين العجيج والضجيج..
يقول البيان الثلاثي : [إن أستانة خفضت مستوى العنف في سورية ] نعم وهذا صحيح؛ ولكن عنف مَن ؟!
عنف السلاح الروسي ؟ أو الميليشيات الإيرانية ؟ أو العصابة الأسدية ..أو عنف المستضعفين يدفعون عن أنفسهم وعن أعراضهم تغول المتغولين ؟!
..أستانة أطمعت قوما شعروا أنهم ورطوا أو تورطوا بالأمان ، فاستكانوا على أمل ، وركنوا إلى وعد روسي !! وآخر إيراني ، وقبلوا بكفالة العصفور للزرزور ..!!
فماذا جرى ..
ضربت اتفاقيات أستانة على الفصائل حالة الوهن ، وأعدمت في أفرادها إرادة القتال ، وخلقت فيما بينها حالة من الفرقة والشتات ، بل لنكن منصفين نقول غذتها وأججتها ، ثم ومنذ سقوط حلب ، الذي كانت استانة ثمرة من ثمراته بدأ الروسي والإيراني والأسدي ينفذون في سورية سياسة البؤرة ..بؤرة ، وعذرا من كيسنجر صاحب عنوان الخطوة خطوة.
فرغم خفض التصعيد المعلن ، وانخفاض مستوى العنف ، الذي يمنّ علينا به الوزراء الثلاثة ؛ ظلت الاستراتيجية المتبعة حصار وتجويع ، ثم اقتحام وتدمير وقتل وتركيع ، ثم باصات خضر وتهجير ..!! هذه هي حكاية أستانة ، بالمختصر الشديد .
ولكي لا يرد على هذا الكلام بعض الذين أوتوا جدلا ، نتحدى أن يكون فصيل من فصائل ما بعد أستانة قد انتصر مرة واحدة لأخيه الذي يذبح أمام عينيه . بل ظل الجميع رابط الجأش ، صابرا ، مستكينا ، ينتظر دوره في عملية الذبح المقرر وكأنه قدر الله المقدور ..!!
ثم أصبحت الأمور تناقش علنا ، كلما ابتلع الأفعوان وجبة دسمة في حجم غوطة دمشق ، يرفع المراقبون ، رؤوسهم يتساءلون : الدور القادم على من ؟!
قال بشار الأسد بعد الغوطة والقلمون إن الدور القادم على إدلب ، فنهره الروسي مستنكرا عليه فسحب الكلام ، لأن دور إدلب على الطاولة الروسية لم يحن بعد ..
أخطر كلمات صدرت تعليقا على لقاء الوزراء الثلاثي ، وفي إطار الوعد بأستانة عشرة في أيار المقبل ، قول وزير الخارجية التركي : إن هدف أستانا بناء الثقة بين أطراف الصراع ..!! قرأت الألفاظ الثمانية ثماني مرات ، وما تزال تستحق المزيد ..
هذا بينما يتعاهد مسؤولون أوربيون في بروكسل ، ويدعوهم الوزير الفرنسي ليقسموا اليمين على محاسبة مجرمي الحرب في سورية من كل الأطراف والتأكيد على منع الإفلات من العقاب.
الخوف كل الخوف غدا من البراعات الدبلوماسية في تعريف الجريمة والمجرمين .
وسوم: العدد 770