نووي إيران يشعل فتيل التنافس الأوروبي الأميركي

مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية 

 تتسارع الأحداث لتأخذ مسارات عدّة، بعدما مزّق ترامب الاتفاق النووي الموّقع بين إيران والقوى الكبرى في عام 2015م، فبعد أن أعلن قراره النهائي الذي يقضي بالانسحاب النهائي من الاتفاق النووي، ومنح إيران مهلة للعمل على تعديل برنامجها النووي.

 لقد وجَّه ترامب في 12 يناير من هذا العام، إنذاراً للدول الأوروبية الضامنة للاتفاق النووي وهي كلّ من: (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، بأنّ عليها الضغط على إيران لإصلاح الثغرات الخطيرة في الإتفاق النووي، لكنها فشلت في تحقيق ذلك.

الأمر الذي دفع واشنطن إلى إجراء تغييرات جذريةٍ على الاتفاق وهذه الإجراءات تتضمن ثلاث مسائل أساسية:

 برنامج الصواريخ الباليستيّة الإيرانية، وسلوك إيران العدواني في منطقة الشرق الأوسط وسعيها للهيمنة على بعض دول الجوار. وبناء مجالها الحيوي طالما خرجت عن حدود الدور الوظيفيِّ المرسوم لها، فضلًا اعتراض ترامب على ثغراتٍ في الإتفاق التقني الذي تضمَّن على فقراتٍ تُقرُّ بانتهاء العمل بعد عشرة أعوام من تاريخه. رغم تركيز أميركا على حقها في التفتيش المفاجئ ودون قيود على دخولها إلى جميع المواقع التي تحتاجها بحريّة تامة، بما في ذلك تفتيش المواقع العسكرية وهذا ما ترفضه طهران.

 لقد حاولت دول الاتحاد الأوروبي الضامنة للاتفاق النووي حرف الاستراتيجية الأميركية وثنيها عن هذا القرار، وذلك من خلال دعم فكرة فرض عقوباتٍ جديدةٍ أحاديّة الجانب -أي من طرف واشنطن- على إيران بما لا يتعلق بموضوع الاتفاق النووي نفسه، وهي فكرة طرحتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وهي خطوة تهدف إلى دفع طهران إلى وقف برنامجها الباليستي و خاصّة الصواريخ البعيدة المدى وحتى المتوسطة المدى، والعمل على الحدِّ من دورها المزعزع للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وذلك من خلال الانسجام مع إستراتيجية ترامب الداعمة لفكرة تحجيم دور إيران، وكفّها عن ابتلاع العراق وسوريا ولبنان واليمن، علاوة على ذلك محاولة منعها من دعم الإرهاب، و منعها أيضًا من الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان في الداخل الإيراني، بغية إقناع الإدارة الأميركية في الإبقاء على الإتفاق النووي، وحرصاً من هذه الدول على حفظ مصالحها الاقتصادية مع طهران، بغضِّ النظر عن مصالح دول مجلس التعاون الخليجي التي ذاقت مرارة السياسات العدوانية الإيرانية .

 كانت التوقعات تُشير بأنَّ الرئيس ترامب لن يمدّد الاتفاق النووي مع إيران، وسينسحب منه، فقد كانت الإدارة الأميركية ترصد عن كثب ردود الفعل الإيرانية، وأنّها لن توافق الأوروبيين على القبول بالتعديلات المطلوبة، وفي سبيل ذلك مارسوا دبلوماسية الضغط على الكونغرس ومؤسسات صنع القرار والرأي العام الأميركي. لثني ترامب عن قراره، لكنّها بالمحصِّلة فشلت أمام إصراره وتعنته في رأيه.

 إنّ المخاوف الأوروبية غير المبررة اعتبرت الانسحاب من الإتفاق النووي فكرة سيئة لأنه اتفاق متعدّد الأطراف، فقد تمّ إقراره دولياً من جانب مجلس الأمن الدولي بموجبِ القرار 2231 وليس اتفاقاً ثنائياً، وأن الانسحاب منه سيضطر إيران إلى المسارعة في عسكرة برنامجها النووي وأن تسعى في تطويره. كما أنّ هذه الخطوة تخلّ بمصداقية الولايات المتحدة، وتجعل من الصعب على ترامب أن يتفاوض على صفقة نووية شاملة مع كوريا الشمالية، حيث سيكون لديها سبب مقنعٌ في الاعتقاد بأن الولايات المتحدة لن تلتزم بشروط الاتفاق بعد إبرامه.

 لا شكَّ بأن الموقف الأوروبي يعتبر معيباً من خلال الترويج لدبلوماسية تضخيم المخاطر المترتبة على الانسحاب من الاتفاق النووي، والتركيز على أهميته.

 خيار فرض العقوبات الضرورية، رغم ادراكها أن المسار التصعيدي عبر فرض مزيد من العقوبات قد يشكّل ورقة ضغط على النظام، وهذا ما ثبت فشله؛ لأن حزمة العقوبات السابقة رغم تنوّعها التي تمّ فرضها لم تكن كافية ولا حتى ناجعة لدرجة تجبر معها النظام الإيراني على تعديل سلوكه. المهم عند الدول الأوربيّة هو منع ارتكاب خطأ رئيسٍ يتمثّل في خسارة إيران اقتصادياً مهما كلف ذلك المنطقة من معاناة وآلام.

 المشكلة تكمن في أنّ أوروبا شاطرت إيران تصوراتها بأن انسحاب الولايات المتحدة سيترتب عليه عواقب كارثية، وسيضع المنطقة على حافّة الهاوية، وهذا قد يدفع إيران إلى ارتكاب حماقات تنعكس سلبًا على المنطقة برمتها، وهذا ما لم يحدث لغاية كتابة هذه السطور، والمتابع للشأن السوري يجد أن روحاني قد تنصّل من إطلاق الصواريخ على الجولان واتهم النظام السوري بارتكاب هذه الخطيئة التي لا تغتفر.

 المضحك في الأمر أّن الإعلام الإيراني قد روّج لخرافات مضحكة مفادها: أن تقويض الاتفاق يمكن أن يؤدي إلى توتّرٍ في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وواشنطن ويدفع أوروبا إلى التقارب مع الصين وروسيا، للضغط على محاولة الإبقاء على الاتفاق.

لم يقف الإعلام الإيراني عند طرح هذا السيناريو الساذج، بل ركَّز على أن الانسحاب من هذا الاتفاق سيُلحق ضررًا كبيرًا بصورة الغرب في العالم الإسلامي، وسيقلّل من قيمة كل الاتفاقيات الدولية، وسيقوض الأمن والاستقرار، ما سيمثل بدوره مصدرا جديدا للصراع في الشرق الأوسط وخارجه، ومن يستمع للخطاب الإيراني يعتقد أن إيران تحترم العلاقات الدولية وتعهداتها.

هناك مؤكدان:

 المؤكد الأول: أن الكرة باتت اليوم في ملعب الدول الأوروبية. وستشهد المرحلة القادمة مفاوضاتٍ ماراثونيةٍ لدفع طهران نحو كتابة ملحق اضافي للاتفاق النووي.

 المؤكد الثاني: أنّ الدول الأوروبية الثلاث الضامنة للاتفاق النووي: (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) ستقع بين المطرقة الأميركية وسندان إيران وروسيا والصين، ذلك أن رغبتها في التوصُّل إلى تسويةٍ حول فرض ملحق إضافي سوف يصطدم بتباين المواقف الإيرانية والروسية والصينية.

 والحقيقة: هو أن الدول الأوروبية والصين وروسيا ستخسر كثيراً من خلال انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، بل سوف تتأثر علاقاتها التجارية والاقتصادية بشكل بالغ أيضا، هذا فضلاً عن إشعال فتيل التنافس الأوروبي الأميركي بعد أن أعلن ترامب إنهاء الاتفاق النووي.

وسوم: العدد 772