قضية فلسطين
سبعون عاما على حرب لم تضع أوزارها.
في معركة الوعي والتدافع الحضاري والإبداع العلمي خسر العرب والمسلمون القرن العشرين وتخلفوا عن منافسة الآخرين بل وحتى اللحاق بهم وفاتهم القطار.
وعلى الرغم من التضحيات الكبيرة التي قدمتها الشعوب العربية في مواجهة الاستعمار والمنطلقة من العقيدة الدينية بالوجوب الشرعي لدفع الاعتداء وقتال المحتلين أو ما اصطلح على تسميته عند الفقهاء ب ( جهاد الدفع )، او تلك الروح النضالية التي انطلقت وتأطرت بحركات شعبية بهدف التحرر من الاستعمار ونيل الاستقلال.
وعلى الرغم من جلاء القوى الاستعمارية منتصف القرن الفائت وانتصار العرب ظاهريا في معركة الإستقلال، وما رافق ذلك من الشحن الايدلوجي والتعبئة العاطفية والتبشير بمستقبل أفضل يخلو من اثار الاستعمار ويحقق الوحدة والنهضة العربية عند القوميين، و/ أو وحدة الأمة الإسلامية وأستاذية العالم عند الإسلاميين، إلاّ ان ذلك الحلم الذي هرم الناس وهم ينتظرون بزوغه أخذ بالتبدد والتلاشي وهم يتجرعون كأس الظلم وسطوة الحكم الوطني وقهر الإستبداد الداخلي والحؤول دون تمكين الشعوب من حريتها واختيار حكامها .
صحيح ان الشعوب كسبت معركة التحرر الإستقلال بطرد الاستعمار، ولكن الصحيح أيضا أننا خسرنا معركة الحرية والديمقراطية والوحدة الوطنية فضلا عن الوحدة القومية والإسلامية.
أفلت القرن الماضي منا وبما كسبت أيدينا فلم نكن الا مناطق جغرافية لنفوذ الآخرين ومصالح اقتصادية يتقاسمها الأقطاب، واتباعاً ملحقين بالاحلاف والمحاور الدولية، وساحات حرب نخوضها بالوكالة عن القوى الكونية المتصارعة على المصالح والنفوذ.
الى كل ذلك فإن العلامة الفارقة تكمن في خسارتنا لمعركة الوعي وتطويع العقل العربي لا من أجل ان يقبل ما كان مرفوضاً وإنما ليصبح المرفوض سابقاً مطلباً وطنياً بل ومدفوع الثمن والأجر.
المفارقة الأكثر إيلاماً ان يُحاكم التاريخ النضالي باعتباره غباءً سياسياً وخيانة وطنية،
مرحلة تجاوزت فيها النخب جميع الخطوط الحمراء، وانتهكت فيها جميع المحرمات، وأصبح اللعب فيها على المكشوف.
قلت أننا خسرنا القرن الماضي فهل سيبقى الخسران والهوان نصيبنا في القرن الحالي؟
السؤال المشروع بحاجة إلى إجابة واضحة، وليس في الفضاء العربي ما يمكن إخفاءه،
الدماء المسفوكة في الداخل الفلسطيني وفي مواجهة الخطر الصهيوني تعبر عن قدرة الشعوب على تقديم التضحيات،
وبصرف النظر عن الهرطقات التي تتعامل مع القضايا المصيرية الكبرى بمنطق التجارة والمصالح المحكومة بمنطق الرقم العددي، والمتناقضة مع قوانين التاريخ ونواميس الكون وقواميس النضال التاريخي، فإن القضية التي خذلها الاصدقاء وتخلى عنها الأشقاء واستفرد بها الأعداء، ولم يعد يملك أهلها إلا مواجهة المخرز الآثم بالكف الدامي، ليس أمام أهلها إلا هذا الخيار وهذا المسار.
تحت عنوان الواقعية والتعامل مع سياسة الأمر الواقع والتكيف مع موازين القوى الدولية يراد لنا ان نستسلم وان نرفع الراية البيضاء وأن نقبل بإملاءآت الأعداء وان نعترف ب "إسرائيل"، ببساطة هذه هي صفقة القرن.
وصفقة القرن هذه ليست قابلة للتمرير ما دام الرفض والتضحية عنوانا للصمود والثبات، ولأن البديل هو الانتحار والاندثار، ولأن المشروع الصهيوني قائم على قاعدة عدم الاعتراف بوجود شعب فلسطيني داخل فلسطين.
وفلسطين بالنسبة لهم (أرض بلا شعب لشعب لم يكن له أرض).
وعلى هذا الأساس فإن جميع المقاربات التي تتجاهل كنه الصراع بوصفه مقاومة ضد الإحتلال من أجل التحرر الوطني جميع تلك المقاربات عبثية وبخاصة بعد ان فشلت ما يسمى بعملية السلام من تحقيق أهدافها .
المشروع الصهيوني لا يقبل ان يكون له شريك وهذا باختصار المعنى المقصود
( بالدولة اليهودية) وهذا المصطلح هو عنوان الكتاب الذي كتبه زعيم الحركة الصهيونية ثيودور هيرتسل.
تلك الدولة تبحث عما يسمى بالنقاء الديني اليهودي المتفوق والمدعوم من مكانة وسيطرة وسطوة الإدارة الأمريكية ومن أجل ذلك فإنها تسعى إلى التطهير العرقي وإرغام المجاميع والكيانات العربية على القيام بدور الحارس لما يُسمى "بالأمن القومي الإسرائيلي" .
بكلمة واحدة فإن المقاومة ليست استحقاقا تاريخيا فقط ولكنها حركة مواجهة للدفاع عن الذات أولا وعن الشعوب الكيانات العربية ايضاً.
وسوم: العدد 772