فـقهاء السلطة ومثـقّـفوها: من مستلزمات الديكور، في الاستبداد العصري !
لكل سلطة - عبر العصور- أدباؤها وشعراؤها وفقهاؤها ( القانونيون.. والشرعيون !).. يزيّنون لها أفعالها ، ويسوّقون سياساتها ، ويمجّدون أشخاصها ومواقفها ، ويصدرون لها الفتاوى القانونية والشرعية ، التي تعبّر عن صحّة اجتهاداتها..!
الفراعنة جميعاً ، حرصوا على صناعة هذه (الأطقم!) من حولهم ، وكذلك الأباطرة والأكاسرة، ومَن على شاكلتهم ، من أصحاب النفوذ والسلطان ..!
حتى مسيلمة الكذّاب ، الذي ادّعى النبوّة ، كان له فريق من هؤلاء ( البَصمجية ) الذين يؤيدون نبوّته ، ويسوّقونها بين الناس ..!
وحتى الحاكم بأمر الله الفاطمي ، الذي ادّعى الألوهية، كان له فريق من هؤلاء العبيد، يَعبدونه، ويزيّنون للناس عبادته ، والتسبيح بحمده ..!
فما العجيب ، في أن يكون للاستبداد العصري ، طاقمه الخاصّ به ، مِن هذه الديكورات والأبواق (الهتّافة المصفّقة ، المسبّحة الممجّدة ، المزيّنة المروّجة ، المقنّنة المشَرعِنة ..)!؟ أين وجه الغرابة ، في هذا كله !؟
الجواب : لاغرابة في هذا كله ، ولاعجب ..! الغرابة والعجب في الفروق ، بين بضاعة الأمس ، وبضاعة اليوم..!
أهمّ الفروق بين بضائع الأمس ، وبضائع اليوم :
1- داخل أسوار مدينة ، أو بلدة ، أو قرية كبيرة ، خلَع عليها سادتها ، اسم : دولة ! ولم يكن هذا التواصل - بما فيه مِن تَمازج - بين الشعوب والدول ، قائماً كما هو اليوم ؛ إذ تطّلع الشعوب المتحضّرة ، على ما يجري في الدول المتخلّفة ، وما يمارسه حكّام هذه الدول ، على أبناء بلادهم ، من ظلم واضطهاد ، وسفاهة وعبث ..! فتكون هذه الدول المتخلّفة ، وحكّامها وشعوبها ، مثاراً لسخرية الآخرين ، من أبناء الأمم الأخرى، والدول الأخرى ..! ممّا يَدفع هؤلاء (الآخَرين) إلى احتقار هؤلاء المتخلفين ، والطمعِ بهم ، والتطلّع إلى احتلال دولهم ، ونهب ثرواتهم ، واستعبادهم .. إذا أحسّ هؤلاء الغرباء ، أن لديهم قوّة ، تمكّنهم من فعل ذلك !
2- ثقافات العالم المتمازجة ، اليوم ، تنير عقول الشعوب المتخلّفة ، وتفتح عيونها ، على ما يجري في بلادها ، من ظلم الظالمين ، ومن نفاق المنافقين .. فيستطيع الفرد في الدولة ، أن يدرك بسهولة ، أن ما يقوله هذا المثقّف ، أو الشيخ المعمّم ، المحسوب على علماء الدين .. إنّما هو نفاق ، وتزلّف ، ودجَـل.. فيحتقر صاحبه ، الذي يتولّد لديه ، إحساس بالضآلة والهوان.. إذا كان يملك حساً إنسانياً، يَجرحه احتقارُ الآخرين !
وإلاّ عاش سعيداً ، في ظلال قول الشاعر : ما لجرح بميّت إيلامُ .. تلك هي المسألة !
وسوم: العدد 773