خيارات أوروبا بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي
لم يكن قرار ” ترامب” في الانسحاب من الاتفاق النووي مفاجئاً لأوروبا التي بذلت جهوداً مضنية في سبيل إنقاذه، محذّرة من تداعياته على الأمن الإقليمي والدولي. فمن المؤكد أنّ الدول ” الأوروبية ” الضامنة لهذا الاتفاق كانت تستشعر مبكراً نتائج تلك الخطوة، الأمر الذي وضعها في موقف لا تحسد عليه.
دبلوماسية على حافّة الهاوية (بين إيران وأوروبا)
تدرك أوروبا جيدًا بأنّ قرار الانسحاب من الاتفاق النووي سيؤدي بالتأكيد إلى التأثير المباشر على مصالحها في إيران، ويقود إلى تبعات اقتصادية خطيرة على شركاتها التي أبرمت صفقات تقدّر بالمليارات، فالانسحاب يشكّل عقبة كأداء أمام التحويلات المالية ويشل حركة البنك المركزي، فقانون منع حركة تحويل الأموال الدولية الداخلية إلى إيران والخارجة منها، سيضع هذه الدول أمام خيارات عدّة، كلها في غاية الخطورة من هذه الخيارات:
الخيار الأول: هو استمرارهم في الاتفاق النووي
فقد بذلت الدول الأوروبية الضامنة للاتفاق النووي جهوداً مضنية في سبيل إبقاء طهران ملتزمة بالاتفاق وبالتعاون مع الأطراف الأخرى الموقعة عليه، و العمل على استبدال صيغة 5+1 ناقص واحد باتفاق دولي جديد مجموعة 4+1، في محاولة واضحة للدخول في مواجهة حتمية مع إدارة ترامب، بيد أنّه يبقى محفوفًا بعقباتٍ كثيرة، من أبرزها بيان المرشد خامنئي والمحرمات التي وضعها؛ حيث اشترط عليهم عدم التعرّض لبرنامج إيران الصاروخي، ولسياساتها الإقليمية كذلك، وطلب إليهم أن يتعهدوا بتقديم سلّةٍ من الحوافز الاقتصادية لتعويض طهران وبشكل عاجل ، هذا إلى جانب “حالة التخبّط ” في التصريحات من جانب المؤسسات الثورية الإيرانية، والتي توضح حجم الخوف من تداعيات الانسحاب، والشكّ في مدى قدرة الدول الأوروبية على إبقاء الاتفاق مستمرًا دون الولايات المتحدة.
الخيار الثاني: هو التلويح بالانسحاب من الاتفاق النووي
فقد منحت طهران دول الاتحاد الأوروبي أسبوعاً واحداً لتحديد موقفها النهائي في البقاء أو الانسحاب من الاتفاق النووي، وبدأ الإعلام الإيراني يركّز على فكرة نهاية الاتفاق، ويروّج مسؤولون في إيران إلى عدم وجود فائدة كبيرة تجعلهم مستمسكين في الإبقاء على الاتفاق، فأكثروا من الحديث عن خيارات طهران في استئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، وإبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية بذلك ، للعمل على تخفيض عدد المفتشين الدوليين أو منع دخولهم إلى المنشآت النووية غير مكترثة بردّ الولايات المتحدة وتلويحها بشنّ عمل عسكري محدود أو واسع ضدّها مدعية أنّه لديها خيارات الردّ، لذلك قامت أوروبا بإرسال تحذير للرئيس روحاني، مفادها أن واشنطن جادّة في تبني مثل هكذا خيار، محذّرة طهران من اتخاذ إجراءات أحادية الجانب.
الخيار الثالث: الخيار الدبلوماسي وهو الأسلم
طالبت الدول الأوروبية طهران أن تكفّ عن ممارسة دبلوماسية الضغوط عليها وإعطاء المهل؛ لأنها متضررة بشكل مباشر من انسحاب واشنطن من الاتفاق، فالخيار الأمثل لإيران هو العودة إلى طاولة المفاوضات بغية التوصل إلى ملحق اتفاق يتضمن القضايا الأساسية التي تتحدث عنها واشنطن، وهو الخيار الوحيد المتاح أمامها.
الخيار الرابع: وهو احتمال التصعيد العسكري
يدرك الاتحاد الأوروبي ” الطرف الضامن للاتفاق ” أنّ الأمور تشير إلى حصول مواجهة بين واشنطن وطهران، فالكلّ شاهد كيف أنّ إسرائيل قد دخلت فعلياً وبقوّة على الخطّ، فخلال الأشهر القليلة الماضية قامت إسرائيل باستهداف الوجود الإيراني في سوريا، واعترفت بأنها قامت بطلعاتٍ جويةٍ استكشافية مستخدمة طائرات “إف 35 الشبح” فوق الأراضي الإيرانية، في رسالة واضحة لقادة طهران السياسيين والعسكريين، بأن التهديد الإسرائيل غير المسبوق لن يكتف بضرب مصالح إيران في سوريا، بل سيقوم بضربات موجعة داخل إيران.
ولا شك بأن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق يعطي إسرائيل الفرصة بشكل أكبر في توسيع نطاق هجماتها، ومحاولة جرّ الولايات المتحدة إلى الدخول في حربٍ أوسع مع إيران، مع دخول دول عربية محورية في خط المواجهة مع إيران، لإجبارها على وقف سياساتها الإقليمية العدوانية، وهو ما تحذّر منه أوروبا، وتخشى من تداعياته.
الخيار الخامس: الأدوات المتاحة أمام الدول الأوربية لمواجهة واشنطن
فمن المؤكد بأن قدرات الدول الأوربية الثلاثة تبقى محدودة أمام قدرات الولايات المتحدة الأميركية. فبعد انسحابها من الاتفاق النووي؛ ستفرض عقوبات صارمة على الدول والشركات المتعاونة مع طهران، وهذا سيضعها أمام مأزق المفاضلة بين علاقاتها الحيوية _سواء السياسية منها والاقتصادية الضخمة_ مع واشنطن والتي تصل إلى أكثر من نصف ترليون دولار، وبين علاقاتها الاقتصادية المحدودة مع طهران والتي لا تتجاوز عتبة العشرين مليار دولار، وبالمحصلة ستختار الابتعاد عن طهران خوفاً من فرض عقوبات قاسية عليها من جهة، وتفضيل التهدئة مع واشنطن من جهة أخرى. من هنا بتنا نُشكك بوحدة الموقف الأوروبي أمام الضغط الذي تمارسه واشنطن عليها، وهذا ما تتحدث به إيران نفسها.
فالنتيجة التي نخلص إليها: أن أوروبا ستتراجع عن تعهداتها في الالتزام بواجبات وحقوق الاتفاق النووي، لأنها باتت عاجزة بشكل فعليّ عن مواجهة الولايات المتحدة، وقريباً سترفع الراية البيضاء اعترافا بفشلها الذريع.
وسوم: العدد 774