واجبُ السوريين الأخلاقي تجاه الحرب الاقتصادية على تركيا

شهد سعر صرف الليرة التركية انخفاضًا كبيرًا في الآونة الأخيرة مقابل الدولار، و قد ازداد الأمر حدةً بعد إعلان الرئيس أردوغان عن انتخابات رئاسية و برلمانية مُبكرة، في: 24/ حزيران الحالي.

و قد شملت تداعيات هذا الانخفاض إلى جانب ( 81 ) مليون مواطن تركي، ما يربو على ( 3.5 ) مليون سوري، انتقلوا للعيش في تركيا خلال سنوات الأزمة، التي حلّت ببلادهم من سنة 2011م، و وجدوا فيها الأمن و الأمان، حيث قامت الحكومة التركية بمعاملتهم المعاملة الكريم، التي اقتربت كثيرًا من معاملة مواطنيها، على شتى الصعد، و أنفقت عليهم ما يزيد على ( 31 ) مليار دولار، من خزينتها العامة.

يعزو المراقبون هذا الانخفاض إلى جملة من الأسباب، من بينها:

ـ التوسع في الإنفاق على الجيش التركي الذي يتحرّك ضد الإرهاب بنوعيه: الشوفيني، و المغالي، في كل من العراق وسورية، الأمر الذي زاد المعروض من الليرة، و هو ما أدّى إلى تدني سعر صرفها, هذا فضلاً عمّا يمكن أن يتبع ذلك من تخوف من ردّات فعل في الداخل التركي، ستنعكس سلبًا على أجواء الاستثمار فيها.

ـ مستويات التضخم الكبيرة التي تسود داخل تركيا، التي تزيد عن عشرة بالمائة، الأمر الذي يعني تآكلاً لمدخرات الأفراد, و هو ما يحمل أصحاب رؤوس الأموال، يستبدلون الليرة بعملة أكثر أمانًا، و سيكون الدولار في مقدمتها.

ـ ارتفاع أسعار الواردات التركية، و تحديدًا من البترول، الذي شهد سعره تحسنًا ملحوظًا، تجاوز ( 80 ) دولارًا، و هو ما يؤدي إلى زيادة الأسعار؛ كون تركيا دولة مستوردة لأهمّ مصدرين في محروقاتها: النفط، و الغاز.

ـ قيام عدد من المؤسسات المالية المحلية، و الأخرى ذات الارتباط الخارجي، بالمضاربة في سوق صرف الليرة؛ لغرض قطع الطريق على تحالف ( الشعب ) الذي يقوده أردوغان، للفوز في الانتخابات الرئاسية و البرلمانية المبكرة.

ـ الترقُّب الحذر لنتائج الانتخابات المبكرة، التي فاجأت كثيرًا من الأوساط، في الداخل التركي، و خارجه، جعلت الناس متخوفة على أملاكها وعلى مستقبل استثماراتها التي تحتاج للاستقرار في ظل مواجهات سياسية عنيفة بين الخصوم المتنافسة في الانتخابات، التي باتت توصف بأنها ستقرر مستقبل الشرق الأوسط في الحقبة القادمة.

إزاء ذلك ما الذي يجب على السوريين فعله، كنوع من ردّ الجميل لتركيا: حكومة و شعبًا، بما يدعم الاقتصاد التركي ضمن المتاح بين أيديهم من الوسائل، و بما لا يمسّ مصالحهم الشخصية، سواءٌ المقيمون منهم في الداخل التركي، أو في المناطق المحررة، أو في البلدان الأخرى؟

هناك أمورٌ عدة يمكن أن يبادروا بها، كنوع من الالتزام الأخلاقي تجاه تركيا في هذه الفترة العصيبة، من ذلك:

ـ جعل تحويلاتهم سواء إلى سورية، أو إلى الداخل التركي عن طريق البنك المركزي التركي، بدلاً من مكاتب التحويل و الصرافة غير رسمية، و بالليرة تحديدًا.

ـ الحذر من الانسياق وراء مطامع الربح الآني، الذي توفره عمليات المضاربة في بيع العملات لصالح الدولار.

ـ التأسي بالأخوة الأتراك في الاعتزاز بالادخار بالليرة، بدلاً من الدولار، على وجه الخصوص.

ـ إرسال المساعدات إلى أهلهم في الداخل السوري، و كذا إخراج زكاة أموالهم، و صدقات الفطر بالليرة التركية, الأمر الذي سيزيد من الطلب عليها، بما يساعد على تعافيها.

ـ جعل حالات البيع و الشراء في الداخل التركي، أو المتجه منها إلى الداخل السوري بالليرة التركية ما أمكن، و ذلك محقق للناحية الربحية للتاجر بسبب الأسعار منخفضة نسبيًا، نتيجة انخفاض سعرها, فالسلعة التي كان يشتريها التاجر بليرة تركية واحدة، ما تزال بالسعر نفسه لأغلب السلع، حيث انخفض سعرها مقابل الدولار الذي يمتلكه التاجر، الذي سيدفع به للبنوك الوسيطة لتصريفه بها, وهو بهذا يساعد في زيادة الطلب عليها.

ـ إيداع الفوائض المالية في البنوك التركية، و بالليرة التركية, سواءٌ لدى الأفراد أو الشركات، أو الجمعيات الخيرية، و مؤكّد بحسب استطلاعات الرأي أنّ نتائج الانتخابات تميل بنسبة تصل إلى ( 55% ) لصالح تحالف الشعب؛ الأمر الذي يعني تحسنًا ملحوظًا في سعر صرفها، و هذا سيضمن لهؤلاء المودعين ربحًا مقنعًا خلال هذه الأيام التي تفصلنا عن يوم الأحد: 24/ حزيران.

إنّ الاقتصاد التركي كغيره من الاقتصادات لديه عوامل قوة وعوامل ضعف, و هو يعدّ من القوية منها، لدرجة أنّه اقترب من الترتيب ( 17 ) على مستوى العالم؛ فلديه احتياطي من الذهب بكمية تزيد على ( 546.8 طنًّا: 25.3 مليار دولار )، و إجمالي من العملات الصعبة بنحو ( 113 ) مليار دولار، و مؤكّد أنّ التركيز في الوقت الراهن على عوامل الضعف يؤكد أن تركيا تتعرض لمواجهة اقتصادية بأهداف سياسية, و ليس من الواجب الأخلاقي أن نقف متفرجين؛ بل علينا أن نردّ الجميل لمن ساندنا في أحلك ظروف محنتنا، و علينا أن نظهر من المواقف الإيجابية تجاههم، بغض النظر عن ضآلة مردودها المادي.

وسوم: العدد 775