لا بد من قانون لزجر السكوت عن الاستغلال الجنسي مقابل منفعة ما
لقد أصبحت قضية بوعشرين الحديث اليومي للجرائد والمواقع فلا يتصفح المرء جريدة ورقية ، ولا يلج موقعا رقميا إلا ويجد حديثا عن هذا الشخص حتى أن حديثه يكاد يطغى على حديث المقاطعة الذي هو حديث الساعة. وبعيدا عن الخوض في إدانة هذا الشخص أو تبرئته ، وفي تصديق أو تكذيب المشتكيات اللواتي يقاضينه لأن ذلك من اختصاص وشغل ومسؤولية العدالة يبقى أمر سكوت المشتكيات لفترة زمنية تراخت بزمن معتبر عن أوقات استغلالهن جنسيا حسب ما صرحن به أمام العدالة مثيرا للانتباه، الشيء الذي يطرح السؤال الآتي : لماذا كل هذا التأخر في التبليغ عن ذلك ؟ وهو سؤال لا يد أن يطرحه القضاء على المشتكيات لأن المعروف والمعهود أن الشكاوى تكون مباشرة بعد التعرض للاعتداء مهما كان نوعه بما في ذلك الاعتداء الجنسي إلا أن يحول حائل قاهر بين تبليغ الضحايا عن تعرضهم للاعتداء بسبب مانع أو بسبب بنوع من أنواع التهديد الذي يشكل خطورة على حياتهم ، علما بأن التهديد هو أكبر داع للتبليغ بدافع الخوف . وإذا ما كان التهديد من نوع قطع الأرزاق الذي لا يبلغ درجة التهديد بالتصفية الجسدية فالأمر فيه نظر لأن التهديد بقطع الرزق لا يصل نفس درجة خطورة التهديد بالقتل حيث يمكن لمن قطع رزقه أن يلتمس مصدر رزق آخر بينما المهدد في حياته لا حل أمامه . ولا يمكن أن يطلق وصف استغلال البشر على حالة من يستبحن شرفهن مقابل منفعة مادية أو امتيازما لأنهن في هذه الحالة لا يختلفن في شيء عن اللواتي يسمين بائعات الهوى ،علما بأن غالبية بائعات الهوى إنما يستبحن شرفهن بدافع الحاجة ، وقليلات هن اللواتي يفعلن ذلك وهن مستغنيات . والمثل العربي الشهير يقول : " تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها " أي لا تكون ظئرا وإن آذاها الجوع ، وهو مثل يضرب في صيانة النفس عن خسيس مكاسب الأموال. وإذا كانت الحرة لا ترضى أن تكون ظئرا فأولى ألا ترضى أن تكون بائعة هوى مهما ضاقت بها سبل العيش . والذي يروج في وسائل الإعلام التي تنقل تصريحات دفاع المشتكيات في قضية مدير جريدة الأخبار أنه مشغلهن ، وأنهن خضعن لابتزازه بسبب ذلك ،ومن ثم وصف هذا الفعل بجريمة الاتجار في البشر دون الأخذ في الاعتبار سكوت المشتكيات عن مساومتهن في شرفهن واستباحته مقابل منفعة ،وهي الاحتفاظ بمناصب الشغل، علما بأنه كان بإمكانهن ترك تلك المناصب صيانة لشرفهن لأنه لا يوجد أغلى من شرف الإنسان الذي لا ثمن له ولا يقبل المساومة ، بل لا يقبل المساومة فيه إلا فاقد إنسانيته . ولهذا لابد من وجود قانون لزجر من يقبل أن يستغل جنسيا مقابل منفعة ، وألا يلتمس له عذر في ذلك لأن الشرف والعرض والكرامة لا يمكن أن تقايض بالمنفعة سواء كانت مادية أم معنوية .
وأية كرامة تبقى للإنسان حين تعرض أمام المحاكم أشرطة مصورة إباحية تصوره في أخس المشاهد ؟ وإذا كانت لديه مثقال ذرة من كرامة فإنه سيكون مستعدا لإنفاق ما في الأرض جميعا لمنع تداول تلك الأشرطة التي تهدر إنسانيته.
وإن من يقايض عرضه وشرفه ويبتذل جسده مقابل منفعة يعتبر شريكا في الجرم لمن يستغله جنسيا ، وهو في حكم من لا يبلغ عن الجرم ، لهذا يعتبر وجود قانون يزجر السكوت عن جرم الاستغلال الجنسي مقابل الحصول على منفعة وهو شكل من أشكال البغاء رادعا يردع كل من يعرض نفسه للاستغلال الجنسي بهذا الشكل ولا يلتمس له عذر في ذلك ، بل ينال عقابه أيضا لمشاركته في الجرم ولتمكين مستغله جنسيا من نفسه إلا أن يكون قاصرا .
فهل سيتعامل القضاء عندنا في القضية المطروحة عليه إذا صحت التهمة وثبتت بإدانة كل الأطراف المتورطة فيها أم أنه سيدان ويعاقب طرف ويخلى سبيل آخر؟ ذلك ما سيكشف عنه نفض القضاء يده من هذه القضية.
وسوم: العدد 775