بأي منطق يفكر المدافعون عن المجاهرين بالإفطار في رمضان

بأي منطق يفكر المدافعون عن المجاهرين بالإفطار في رمضان في الأماكن العمومية باسم احترام حرية الفرد على حساب المشاعر الدينية لأمة بكاملها؟

مع حلول شهر رمضان يعود  بعض الناعقين إلى نعيقهم دفاعا عن المجاهرين بالإفطار في الأماكن العمومية باسم  احترام حرية الفرد .ومعلوم أن الأماكن العمومية هي ملكية جماعية لا يمكن أن يستأثر بها أحد ، وهي محكومة بقيم المجتمع الملزمة لكل أفراده . فكما أنه لا يمكن على سبيل المثال أن يتجرد أحد من لباسه في الأماكن العمومية أو يمارس سلوكا يخرم الحياء  فيها ،لأن قيم المجتمع الخلقية تستهجن ذلك ،فإنه لا يمكن لأحد أن يجاهر بالإفطار فيها والمجتمع صائم ،لأن قيم المجتمع الدينية ترفض ذلك . ومعلوم أن المجتمع يتبنى بالإجماع ويتوافق أفراده على القيم التي يجب أن تسوده ، وتكون محل احترام الجميع دون استثناء . واحترام قيم المجتمع الدينية والخلقية هي احترام لكل أفراد هذا المجتمع والتجاسر عليها هو تجاسر عليهم جميعا .

 والإشكال الذي يطرحه إفطار المجاهرين  في رمضان بغير أعذار شرعية هو تجاسرهم على إرادة المجتمع في الأماكن العمومية المشتركة بين الجميع . ويقدم هؤلاء على تجاسرهم هذا عن عمد وعن سبق إصرار لاستفزاز مشاعر المجتمع الدينية محاولة منهم لفرض تصرفهم الشاذ والمخالف لتوجه هذا المجتمع .  ولم يحصل أبدا أن اقتحم الناس على مفطر بيته أو ستره . وإذا كان المجتمع لا يهتك ستر أحد، ولا يقتحم عليه بيته ، فليس من حق أحد أن يهتك حرمة المجتمع من خلال هتك حرمة الأماكن العمومية . وإذا أصر أحد على فعل ذلك بذريعة حريته الفردية وحقه  في استخدام الأماكن العمومية ، فإنه سيواجهه غيره بنفس الحق ، ويقع النزاع بينهما، ولا يفصل بينهما سوى المجتمع من خلال احترام القيم المتعارف عليها فيه . وليس من حق أحد أن يدوس على تلك القيم بذريعة حريته الفردية مهما كان .

ومعلوم أن كل المجتمعات البشرية تحترم قيمها وتلزم بها كل أفرادها ،كما تلزم بها كل من يوجد فيه سواء كان مقيما أم زائرا . ولا يختلف احترام القيم عن احترام القوانين السائدة في المجتمعات ، وكما يعاقب على مخالفة القوانين يعاقب أيضا على مخالفة القيم .

ومشكلة الذين يدافعون عن المجاهرين بالإفطار في رمضان أنهم يريدون إقحام قيم من بنات أفكارهم أو وفق أهوائهم ليست محل إجماع في المجتمع ضمن منظومة  قيمه. وهذا حال دعاة القيم العلمانية في مجتمع مسلم حيث تتعارض وتصطدم  قيم هؤلاء مع قيم هذا المجتمع، فيعيبون عليه رفضه لقيمهم ، ويطالبون بإقحامها ضمن منظومته قيمه التي هي على النقيض من قيمهم ، ويجعلون من الأمر مظلمة يناضلون من أجلها ، ويحدثون الزوابع الإعلامية دفاعا عنها ، ويستقوون بالمجتمعات العلمانية  التي اقتبسوا من قيمها لإدانة قيم مجتمعهم المسلم الذي يحسبون عليه كرعايا .

والذي يشجع هؤلاء على تحدي قيم مجتمعهم المسلم هو سكوت السلطة  فيه عن تصرفاتهم التي تمس بتلك القيم  بالرغم من وجود ترسانة قانونية تمنع ذلك صيانة لهوية المجتمع الدينية المنصوص عليها في دستوره المجمع عليه والملزم للجميع بحكم الإجماع عليه .

ويحاول المدافعون  ـ وهم في الغالب علمانيون ـ عن المجاهرين بالإفطار في رمضان الاستدلال والاستشهاد بقوانين المجتمعات العلمانية في طرحهم لقضية المجاهرة بالإفطار ، وكأن قوانين تلك المجتمعات تلزم مجتمعنا المسلم . ويذهب هؤلاء بعيدا حين يجعلون من قوانين تلك المجتمعات العلمانية قوانين كونية تلزم كل من في الكون ، وكأن هذا الكون حكر على العلمانيين ولا حق فيه للمتدينين .

ويحلم هؤلاء العلمانيون بفرض منطقهم العلماني على مجتمع مسلم ، ولا يبالون بسواده الرافض لضم منظومة قيمهم العلمانية  إلى منظومة القيم الإسلامية للمجتمع .

وتقع المجتمعات العلمانية في تناقض صارخ حين تزعم أنها تحترم حرية الفرد بما فيها حرية الاعتقاد والتدين، ولكنها في واقع الحال تضيق على المسلمين تحديدا حين يمارسون حقوقهم التعبدية كما هو الشأن في فرنسا بلد العلمانية حسب دستورها  بالنسبة لحجاب المرأة المسلمة ، وللباس استحمامها . فكيف تدعي فرنسا احترام حرية اعتقاد الفرد وتدينه ، وفي نفس الوقت تمس بهذه الحرية من خلال التدخل في طريقة وأسلوب لباسه في مقر عمله وعلى الشواطىء كما هو شأن بالنسبة للمرأة المسلمة المقيمة أو الزائرة في هذا البلد حيث تحرم من بعض حقوقها  من قبيل الالتحاق ببعض الوظائف أو الوجود ببعض الأماكن بسبب اعتقادها الذي يفرض عليها أو يلزمها بهيئة خاصة في لباسها وفي تصرفاتها .

وارتفعت مؤخرا أصوات بعض العلمانيين منددة بما سمته "شرع اليد" إشارة إلى  بعض ردود الأفعال من طرف بعض أفراد المجتمع على فعل المجاهرة بالإفطار في رمضان في الأماكن العمومية والمستفز لمشاعرهم الدينية أو على فعل الخلوة الذي أثار مؤخرا ضجة بسبب تعرض سيدة للعنف من طرف مجموعة أنكرت عليها خلوتها في رمضان مع مرافق لها . ومع أن ردود الأفعال هذه لا مبرر لها شرعا، وليست من تعاليم الإسلام الذي يوكل إلى أهل الحل والعقد وإلى القانون معاقبة المجاهرين بالإخلال بقيم المجتمع الخلقية والدينية . ولا يسمح الإسلام بما يسمى " شرع اليد " إذ لا يوجد شرع فوق شرع الله عز وجل الذي وكّل بتطبيقه المسؤولين عن ذلك ، وليس كل أفراد المجتمع مسؤولين عنه . ولعل الذي شجع على ظاهرة " شرع اليد " هو غض المسؤولين الطرف عن الأفعال التي تستفز المشاعر الدينية للمجتمع، الشيء الذي تترتب عنه ردود أفعال منها " شرع اليد ". ولهذا على الجهات المسؤولة صيانة المشاعر الدينية للمجتمع لمنع كل ردود أفعال خارج سلطة الشرع والقانون .  

وسوم: العدد 775