الحرب الخفيَّة على ( القيم )
مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية
ملخص لندوة الأسبوع المنصرم الذي عرضها الدكتور إبراهيم الديب على المجموعة بعنوان الحرب على القيم والهوية- التفكيك الناعم
وذلك للمناقشة والإثراء وتبادل وجهات النظر وبعد خمسة ايام من تبادل وجهات النظر قامت الدكتورة لينة الحسن بإعداد التقرير التالي حول ماتم تداوله من رؤى ووجهات نظر
تناولت الموضوع:
لمّا كان حضور "القيم" في بناء الذات الإنسانية ورسم هويتها بتعددها ( الديني، العرقي، الثقافي، والتقاليد .. ) شيئاً أساساً، كانت الحرب مُستعرة، مختلفة المسارب؛ فكانت حرباً مباشرة عبر الاستعمار، وغير مباشرة عبر أدواته في المنطقة، تحقيقاً لأهدافٍ اِستراتيجية، حيثُ تفتيت الأرض، وسلب الإرادة، ومن ثمَّ إحكام السيطرة المُطلقة على الهوية في المعنى والمبنى
!! ولكي تُحقِّق هدفها الأخير في جعل كل (أنا) وعاءً فارغاً، تملؤه بما تشاء وكيف تشاء ووقت تشاء، كان لا بدً من حرب جديدة، لا شكل لها ولا رسم، تتغلغل في مبنى الإنسان ومعناه، فتجفِّف منابع القيم، وتفكِّك ما رسخ من مبادئ، وتطمس ما كان من ثوابت، صهراً وتذويباً ، ومن ثمَّ إحلالاً لـ (الآخر) الذي تُريد من خلاله بسط هيمنتها على نحوٍ تستعصي معه قيامة الهوية مرة أخرى.
وأمام معركة الوجود هذه، حيث أكون بقيمي وتاريخي ومعتقدي الساّمي، أو لا أكون.. عمدت قوى الشر إلى اِستراتيجيات مختلفة في سبيل تغريب الأنا الإسلامية خاصة، والقضاء على مقومات كيانها، وعلامات القوة فيها، واستبدالها بأخلاق الضعف والانحلال والإباحية، نأياً بها عن الدين الحنيف، حتى لا يعود الإسلام إلى الساحة مرة أخرى.. وهو ما أجمع عليه الباحثون، مؤكدين أنها حربٌ شرسة على الإسلام، لا أخلاق فيها ولا قِيم .. حربُ تستعمل "الرذائل" في مواجهة "الفضائل".. تسعى إلى تفتيت هويتنا الجامعة كمسلمين إلى هويات اِثنية متناحرة ضعيفة، وهو ما أكّده د. أكرم كساب حين قال: "لا يريدون إسلامًا حضاريًا قويًا متبوعًا، وإنما يريدون إسلامًا هزيلاً ضعيفًا تابعًا، وقد نبّه القرآن مبكرًا على حرب الهوية حيث قال: { وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا }البقرة: 217. من خلال: 1. زعزعة الإيمان والعقيدة بوصفها الحارس للدين كلّه. 2. تسميم المناهج التعليمية. 3. الذوبان في الوافد الغربي علماً وفنَّا وإعلاماً .. 4. محاربة اللغة العربية بوصفها وعاء الدين والحافظ للقرآن. 5. جعل التاريخ الإسلامي تاريخًا قوميًا".
إنّ الحرب على القيم هي الوجه الخفي للحرب على الأمَة الإسلامية، لمنعها من استعادة وعيها ودورها الحضاري الرائد، دفعاً بها نحو "التغريب القسري"، وفق خطواتٍ مرحلية منظّمة، يشير إليها أ. وسام الكبيسي بالآتي: "1. التشكيك بالمسلّمات والقيم العامَة تحت شعار (نسبيّة الحقيقة) 2. التجهيل من خلال إضعاف منظومات التعليم والثقافة والإعلام الجاد. 3. تشويش الفكر وإدخاله في مرحلة مقارنات أولية بين ما بات مشكوكًا فيه (منتوجه) وما يظهر من أفكار ناضجة مواكِبة للعصر(منتوج الآخر). 4.تشويه كل ما ترتكز عليه الأمة من ثوابت وقيم وتراث علمي ورموز دينية أو ثقافية أو.. 5. التشتيت: من خلال إثارة صراعات الفكر ثم تأجيجها وإغرائها للتحول إلى صراعات مسلحة. 6. التذويب: يُراد تذويب الهويات الفرعية في هوية جديدة (انتقالية) في مطلقاتها وقيمها، حيث تعمل على كسر الاستعصاء الثقافي ليس عبر الانتقال المباشر لمفاهيم الغرب، وإنما عبر بث مفاهيم وسيطة، والعمل على إسكات كل ما تبقى من أصوات المقاومة الثقافية، تمهيداً للمرحلة الأخيرة. 7.التغريب: وهي مرحلة فرض المنطلقات والقيم والمفاهيم الغربية وإعلان التحاق الأمة المسلمة بركب الثقافة الغربية/ العولمة بعد قرون من الاستعصاء".
لا نريدها قيماً هشّة يتفارق فيها المبدأ مع السلوك، ترتبط بالفكر الغربي بوصفه مصدر التّلقي والتوّجيه، فتُتجَ جيلاً عاجزاً عن اتّخاذ القرار المصيري، سهلَ الانقياد، سمته الاضمحلال الفكري والأخلاقي، فارغٌ من الروح الإسلامية، والعقلية الإسلامية، والنفسية الإسلامية، فارغٌ من الهوية
!! لذا يقول د. إبراهيم ديب: "إنَّ قوة القيم والهوية تعني قوة القوة البشرية للمجتمع، وممكناتها على الاتحاد والاحتشاد والفعل". مقدِّماً دراسة وافية عن اِستراتيجيات التفكيك الناعم للقيم حيث: "1.استراتيجية تشويه القيم الأصيلة ووسمها بالتخلف والرجعية.. إلخ. 2.اِستراتيجية تفريغ وتسطيح القيم الأصيلة في مفاهيم وسلوكيات سطحية مثل اختزال قيمه الصبر في الصبر علي البلاء فقط، دون الصبر على الطاعات والعمل والإنتاج. 3. اِستراتيجية الفهم المشوه الجديد للقيم، مثلاً قيمة (الحب): حب الله ورسوله والصالحين والخير والجمال والصلاح وحب الزوجة والأبناء، وحب الجنس الآخر بالشكل الطبيعي الحلال ....إلخ يتم اختزالها في شيء واحد فقط، وهو الحب الحرام. 4. استراتيجية إحلال، بتقديم قيمة سلبية عكسية بديلاً عن القيمة الايجابية فالفهلوة والنصب والسرقة والاحتيال، بدلاً عن العلم والعمل والإنتاج...إلخ". ثمَّ يسوق د. إبراهيم أنماطاً، يُسلِّط من خلالها الضوء على "الكيفية" التي تٌفكك القيم تفكيكاً ناعماً إلى أن تضمحل وتزول، سواء في المساجد عبر الأئمة والدعاة، أو في التربية والتعليم أو في باب الشباب والرياضة، فاضحاً الدراما ودورها الخبيث، معرِّيًا استراتيجيات حربها القذرة، بدءاً
: (السلوك السلبي) (القبول النّسبي) (الإعجاب والانبهار) (القبول والمحاكاة) (التمسُّك والدفاع) (الاعتقاد به والدعوة إليه). واضعاً الأطر التنفيذية لحرب القيم في الدراما عامة وفق نقاط سبعة، تمَّ نشرها سابقاً في مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية. لمزيد من الاطّلاع حول رؤى د. ابراهيم ديب حول الحرب على الهوية والقيم، يُرجى زيارة الرابط الآتي: http://www.umayya.org/articles/umayya_articles/14311
في هذا السياق أشار د. صبري سُميرة إلى "ضرورة فضح اللاعبين والجهات المسؤولة أفراداً وجماعات ومؤسسات، محلية ودولية ساهمت وما تزال في حربها على قيمنا الأصيلة، عفواً أم قصداً، وابتكار استراتيجيات مضادة تحول دون تحقيق غاياتها، والخروج بتوصيات وتطبيقات عمليّة تجعل الهوية الإسلامية أكثر تصدياً لمساقات السحق والطحن والخلط الاقتصادية والاجتماعية والكوارث والحروب والعولمة وغيرها مما يُساهم في تكون البيئات والظروف الحاضنة لهذه الأدوات التفكيكية".
لذا وارتقاءً بهويتنا الإسلامية التي تتعرّض ليل نهار إلى مكائد الغرب عولمةً وتغريباً– تذويباً وإحلالاً ، أشار د. محمد كمال في مقاله الذي حمل عنوان (مجتمعات بين قواعد البناء والهدم 17)، إلى أنَّ "بناء المجتمع السليم يقوم على إنسان سليم، سوي العقل والتقدير، منضبط الفكرة والتدبير، ومثاله نبيَّ الله إبراهيم عليه السلام في جملة من القيم الإنسانية والإيمانية يصحّ بها بناء الوجود فرداً كان أو مجتمعاً. "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121/120 النحل)، مُؤكِّداً على مجموعة من القيم المجتمعية التي إذا تحققت سنكون أمام مجتمع فاضل، قوي قادر على مُواجهة ساسات التفكيك الناعمة طوعاً وقسراً، فلا استقرار ولا عمران دون هوية ثابتة، ولا هوية ثابتة دون قيم إيجابية تكاد تكون مشتركة بين المجتمعات البشرية،. "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90النحل)، مُحيلاً إلى "الإحسان" بوصفه القيمة الأسمى في بناء الهوية الإنسانية عامة، يقول: "الإحسان مظهر الاتقان في العلم والمعرفة والعمل والتعامل وكل وجوه التواصل، إحسان في العبادة وإحسان في الخُلُق وإحسان في الحرفة ، وأنَّ مدار هلاك المجتمعات عامَّة يبدأ بالكفر بأنعمِ الله، وليس الإسراف والتبذير آخر القيم السلبية التي وجب علينا مراقبةَ الله فيها".
خلاصة القول: إن قيمنا مرآة هويتنا .. مرآة حضارتنا، فأيّ حضارة قامت على (صفر – قيم) ؟! الأمر الذي أشار إليه د. بسام ضويحي قائلاً : "إنّ الحضارات والأمم والدول لا تقوم إلا على مرتكزات ودعائم أساسية، تشكّل القيم محورها الأساس، بوصفها مصدر الإلهام والقوة، والمحرِّض على الإنجاز على مختلف الأصعدة و المناحي الحياتية العقائدية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والصناعية والزراعية والتربوية التعليمية والتنموية ..إلخ، حيث تساهم مجتمعة في نهوض جميع مكونات المجتمع، تاركة بصمات ومميزات وخصائص هوية أفراده الذين تربّوا ونشأوا على هذه القيم، مُحافظين عليها مُدركين دورها في نهضة ذواتهم وأمتهم سواء".
وعليه لتعلم كل هوية أصيلة أنَّ الحرب على القيم، تستعرُّ ويزادُ لهيبها، ولن تتوقف حتى تُجابَه بحرب أخرى، ننطلق فيها من ذواتنا على أنفسنا، متسلِّحين بالمنهج (القرآن والسنة وسيرة السلف الصالح)، فنُحيي هويتنا الإسلامية التي أعزّنا الله بها.
وسوم: العدد 775