المسلمون على شفا كارثة تاريخية
يعيش المسلمون أزمة خطيرة، في مختلف أماكن تواجدهم على سطح الكرة الأرضية، يكفي الآن أن يقوم مسلم واحد بعملية طعن أو إطلاق نار ويصيح الله أكبر في أي بلد أوروبي، حتى يؤدي هذا الحدث الفردي إلى نفور مئات آلاف جدد ودفعهم إلى دائرة كراهية المسلمين، وربما إلى ردود فعل قاسية، وعقوبات جماعية ضد أبرياء من المسلمين والمسلمات.
هذا يعني أن المسلمين باتوا يؤخذون كمجموعة بجريرة فرد مهووس هنا أو هناك. هذا الوضع الخطير، لم يصل إليه المسلمون بين ليلة وضحاها، بل استغرق سنوات طويلة من التحريض، ومن الأحداث على أرض الواقع، في مختلف بقاع العالم، خصوصاً في بلاد العرب والمسلمين أنفسهم، وضعتهم في هذا الموقع الحَرج والمثير للحذر والتخوّفات، الذي ينذر بكارثة إذا ما استمر في هذا الاتجاه.
المسلمون الآن، في الموقع الذي وجد اليهود أنفسهم فيه بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث أن التحريض الشعبوي المنهجي والدموي وتلفيق الدعاية النازية ضدهم، أدى إلى موجة حادة وقذرة من اللاسامية، أوصلت في النهاية إلى المحرقة، ومجازر كثيرة بحقّهم على الأرض الأوروبية.
نحن الآن في مرحلة من التاريخ الحديث، ممكن أن نسميَها اللاإسلامية.
بات واضحاً أنه بعد انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين السوفييتي والإمبريالي الأمريكي، بدأت بلورة عدو جديد، هو الإسلام والمسلمون. والمصالحة بين كوريا الشمالية وأمريكا هي تطهير لآخر جيوب سني الحرب الباردة، للتفرغ للعدو الجديد، ألا وهو الإسلام.
إلا أن الذي يميز الإسلام عن اليهود في أوروبا وعن الرأسمالية والشيوعية، هو أن المنخرطين في العداء له أكثر بكثير، ذلك أن قوى دولية كثيرة تلتقي مصالحها في العداء والتحريض ضد الإسلام، ولأهداف شتى، وكل من زاويته. ما يجمعُ هؤلاء، هو حاجتُهم إلى إسلام متطرّف، منهم أحزاب وشخصيات قذرة تطمح إلى السلطة في أوروبا، فكلما ارتفعت نبرتها ضد الإسلام المتطرف وخوّفت الجماهير منه، اتسعت شعبيتها، وهذا كان أحد وسائل ترامب لدخول البيت الأبيض رئيساً، وهذا اتخذ كمبرر لتثبيت سلطات الاستبداد في الوطن العربي وقمع المعارضين، وكذلك هو ذريعة للاحتلال بممارسة كل جرائمه، من دون معارضة دولية جديّة لهذه الجرائم، تخيّلوا العكس مثلا، لو أن الفلسطينيين قتلوا سبعين يهوديا مدنيا وجرحوا ثلاثة آلاف في يوم واحد ماذا كان سيحدث؟ حتى بعض من تتهمهم أمريكا بالإرهاب، صاروا يعلنون أنهم منهمكون بمحاربة الإرهاب.
قطاع غزة محاصر من قبل الاحتلال ومصر وسلطة رام الله، وبالذريعة ذاتها، تقطع الرواتب عن آلاف الموظفين في القطاع. أما بنيامين نتنياهو، فقد بزّ الجميع بـ»محاربة الإرهاب الإسلامي»، وكلما ازدادت وتيرة جرائمة ارتفع صوته باتهام التطرف الإسلامي، هذا التطرف الإسلامي قد يكون شيعيا تارة، وقد يكون سنّيا، وقد يكون لا دينيا من أساسه، ولكنه تطرف إسلامي، ما دام يرفض الصفقات والاستسلام لها.
دائرة العداء للمسلمين في تزايد، وإذا لم تتوقف فهي ستشكل خطراً في السنوات القريبة، خصوصاً على مسلمي أوروبا وأمريكا. الاعتداء على المسلم، لا يلقى استنكارا واضحاً وقوياً لدى فئات آخذة بالاتساع في كل مناطق العالم، حتى في الدول التي تعتبر ديمقراطية، وتتيح للمسلمين إقامة شعائرهم، صارت تضيّق عليهم، وتزعجهم. في الصين يرغمون المسلمين على دخول مخيمات لغسل الدماغ، خلاصتها أن يعبدوا الحزب الشيوعي الصيني، وأن يتنازلوا عن شعائرهم الإسلامية، مثل الصيام. هل يتحمل المسلمون مسؤولية ما حدث ويحدث من تطرف ضدهم في العالم؟ نعم، وبلا شك يتحملون جزءا من المسؤولية، والعرب بالذات، هم أكبر المحرضين على الإسلام والمسلمين.
الكثير من الجرائم البشعة التي سُجلت على المسلمين المتطرفين، نُفِّذت بأيدي رجال الأنظمة ومخابراتها، وبأيدي مخابرات دولية داعمة للأنظمة الاستبدادية، خصوصاً في سوريا، سواء أجهزة داعمة للنظام نفسه، أو تلك التي اختطفت الثورة بهدف إجهاضها لمنع انتقالها إليها. السنين المقبلة ستكشف الكثير من أسرار هذه الجرائم، مثلما كُشفت تفجيرات قامت بها أذرع الحركة الصهيونية في أحياء يهودية في الدول العربية، لحثّ اليهود على الهجرة إلى فلسطين.
بلا شك يوجد مسلمون يدفعون إلى الهاوية، شيوخ يكفّرون الآخرين، إلا أن التكفير بحد ذاته ليس المشكلة، المشكلة هي بمن يظن أن من حقه معاقبة الكفّار، ويحرض على إيذائهم، وبعدم احترام خصوصية الناس، والتدخل بشؤونهم الخاصة وعلاقاتهم الشخصية، وإسماعهم كلاماً فيه تهديد ووعيد، قد يتحول إلى اعتداء فعلي في بعض الأماكن على يد بعض الجهلة، هذا ما ينفر حتى أكثر الناس تسامحًا، ويصبّ زيتا على نار العنصرية، ويمنح الاستبداد والعدوان والاحتلال المتدثّر بعباءة محاربة التطرف شرعية، في الوقت الذي يدمّرون فيه شعوباً ويحرمونها من الحريّة، ويسعون لإبقائها في دائرة التخلف.
الإسلام المتطرف هو صناعة يمارسها ويستفيد منها كثيرون، من الطامعين بالسلطة حتى الاحتلال، مروراً بابتزاز مئات المليارات من الدولارات من دول النفط بذريعة تمويل الحرب على الإرهاب، فهل يستطيع المسلمون كسر هذا الطوق الآخذ بِغّلّ أعناقهم؟ هل يستطيعون الخروج من عنق الزجاجة إلى هواء طلق وإبداع صورة جميلة للإسلام، الذي يجب أن يعني التسامح والمحبة ونصرة الضعفاء والمظلومين، والأهم هو تقبّل المختلف مهما كان متباينا في عقيدته وقناعاته، إنها مسؤولية كل حر وشريف، في منع جريمة تاريخية بحق الملايين من أبناء البشر.
كاتب فلسطيني
وسوم: العدد 776