انطلقت شرارة الحرب التجارية العالمية .. أمريكا توجه الطلقة الأولى للصين

حذرت الصين من أن الولايات المتحدة "تفتح النار" على العالم برسومها الجمركية، التي دخلت حيز التنفيذ البارحة. وبحسب "الفرنسية"، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ضغط على الزناد لإطلاق شرارة الحرب التجارية بين أكبر قوتين اقتصاديتين، وذلك مع بدء فرض الرسوم الجمركية الأمريكية على منتجات صينية بعشرات مليارات الدولارات. وحذر خبراء من أن الإجراءات الانتقامية بين البلدين ستشكل هزة للاقتصاد العالمي وتضرب النظام التجاري العالمي في الصميم.

وفرضت الولايات المتحدة رسوما بنسبة 25 في المائة على أكثر من 800 صنف من البضائع الصينية تبلغ قيمتها نحو 34 مليار دولار، فيما حذرت من أن مزيدا قادم في حال تصاعدت الحرب التجارية. وهدد ترمب بتكثيف العقوبات الأمريكية بشكل تدريجي على بضائع يبلغ مجموع قيمتها 450 مليار دولار، وهو ما يساوي حصة الأسد من جميع الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة.

وتستهدف الرسوم شريحة واسعة من البضائع الصينية على غرار عربات الركاب وأجهزة البث الإذاعي وقطع الطائرات وأقراص الحواسيب الصلبة وهي صناعات تقول واشنطن إنها استفادت من ممارسات تجارية غير منصفة.

وتدرس الولايات المتحدة حاليا إضافة حزمة ثانية تضم 284 منتجا بقيمة 16 مليار دولار. وقال جاو فنج المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية إن "الولايات المتحدة هي التي تسببت في هذه الحرب التجارية، نحن لا نريد أن نخوضها، ولكن حفاظاً على مصالح البلاد والناس، ليس أمامنا من خيار سوى أن نقاتل".

بدورها، حذرت كريستين لاجارد رئيسة صندوق النقد الدولي من الدخول في دوامة الإجراءات الانتقامية، مشيرة إلى أنها لن توجد سوى "خاسرين من الطرفين". وأشار جاو إلى أنه ضمن قائمة المنتجات البالغة قيمتها 34 مليار دولار والمدرجة على القائمة الأمريكية، هناك بضائع بقيمة نحو 20 مليار دولار - أي ما يعادل ثلثي المنتجات المدرجة - من صنع شركات استثمارية أجنبية تمثل الشركات الأمريكية "قسما مهما" منها. وقال جاو إن "التدابير الأمريكية تتعرض في الأساس للإمدادات العالمية ولسلسلة القيمة. وببساطة، الولايات المتحدة تطلق النار على كل العالم، وتطلق النار على نفسها كذلك".

وحذر خبراء اقتصاد على مدى أشهر من الضرر المحتمل على الاقتصاد الأمريكي والعالمي على حد سواء من تطبيق سياسات تجارية عدائية وحمائية، مشيرين إلى أن ذلك قد يرفع الأسعار ويحدث هزة في سلاسل الإمداد العالمية. لكن فريق ترمب لم يأبه كثيرا لهذه التحذيرات، حيث وصفها وزير التجارة الأمريكي ويلبور روس بأنها "سابقة لأوانها وربما حتى غير دقيقة". وقال ترمب في تغريدة هذا الأسبوع إن الاقتصاد "لربما في أفضل حالاته" حتى "قبل تعديل بعض أسوأ الاتفاقيات التجارية وأكثرها إجحافا التي تبرمها أي دولة على الإطلاق". وتحت شعار "أمريكا أولا"، استهدف ترمب كذلك شركاء تجاريين تقليديين آخرين للولايات المتحدة على غرار الاتحاد الأوروبي واليابان والمكسيك وحتى كندا.

وتتزايد المؤشرات إلى أن النزاع التجاري المتصاعد يؤثر في أكبر قوة اقتصادية في العالم، حيث تم فرض رسوم عقابية على الحديد الصلب والألمنيوم في وقت يهدد البيت الأبيض بفرض رسوم على واردات السيارات. وبدأت الأسعار بالارتفاع خاصة بالنسبة للحديد الصلب والألمنيوم في وقت بدأت الشركات تتحفظ بشأن الاستثمارات أو تخطط لنقل خطوط الإنتاج إلى الخارج لتجنب الإجراءات الانتقامية التي تستهدف الصادرات الأمريكية. وأدى ارتفاع أسعار الصلب إلى خسارة وظائف في أكبر شركة مصنعة للمسامير في الولايات المتحدة "ميد-كونتينينت نيل كوربوريشن" وسط تحذيرات بأن الشركة قد توقف عملياتها بشكل كامل.

وأعلنت شركة "هارلي-ديفيدسون" الأمريكية العريقة لصناعة الدراجات النارية عن خطط لنقل خط إنتاجها إلى الخارج لتجنب الرسوم الانتقامية التي فرضها الاتحاد الأوروبي، ما كلفها انتقادات شديدة من قبل ترمب. من جانبها، حثت غرفة التجارة الأمريكية النافذة ترمب هذا الأسبوع على إعادة النظر في إجراءاته، مشيرة إلى أن الرسوم الانتقامية باتت تؤثر في صادرات أمريكية بقيمة 75 مليار دولار وتهدد الوظائف. وبينما يتباهى ترمب بالإعلان عن فرص العمل التي باتت متاحة في مصانع الحديد الصلب جراء الرسوم، تحذر الجهات المصنعة من أنه سيتم فقدان كثير من الوظائف في الشركات المنتجة للسيارات وقطعها والمعدات وغيرها من المنتجات التي تعتمد على المكونات المستوردة. ورجحت دراسة خسارة ما يقارب من 400 ألف وظيفة.

وكانت الصين قالت إنها لن "تطلق الرصاصة الأولى"، لكن الجمارك الصينية أوضحت أمس، أن الرسوم الجمركية الصينية على سلع أمريكية ستطبق فور بدء تطبيق الرسوم الأمريكية على السلع الصينية، وفقا لـ"رويترز". وحذر جاو فنج في المؤتمر الصحافي من أن الرسوم الأمريكية المزمعة ستضر سلاسل الإمداد العالمية التي تشمل الشركات الأجنبية في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. وقال جاو "إذا طبقت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية، فإنها ستفرض في الواقع رسوما على شركات من جميع البلدان بما فيها الشركات الصينية والأمريكية". وأضاف "الإجراءات الأمريكية تهاجم بشكل أساسي سلاسل الإمداد والقيمة العالمية. ببساطة، تفتح الولايات المتحدة النار على العالم بأسره بما في ذلك هي نفسها". وتابع "لن ترضخ الصين للتهديدات والابتزاز، ولن تتراجع عن عزمها الدفاع عن التجارة العالمية والنظام المتعدد الأطراف".

وردا على سؤال عما إذا كانت هناك "إجراءات نوعية" ستستهدف الشركات الأمريكية في الصين في إطار حرب تجارية، قال جاو إن الحكومة ستحمي الحقوق القانونية لجميع الشركات الأجنبية العاملة بالبلاد، وسنواصل تقييم الأثر المحتمل للحرب التجارية التي بدأتها الولايات المتحدة في الشركات، وسنساعد هذه الشركات في تخفيف الصدمات المحتملة". وفرضت الصين رسوما جمركية على مئات السلع الأمريكية تستهدف بعض أهم الصادرات الأمريكية ومنها فول الصويا والسرجوم والقطن، ما يهدد المزارعين الأمريكيين في الولايات المتحدة التي دعمت ترمب مثل تكساس وأيوا. وفي أحدث مؤشر على تأثير الرسوم في التجارة، غيرت سفينة تحمل فحما أمريكيا وجهتها من الصين إلى سنغافورة أمس الأول.

وحذرت منظمة التجارة العالمية أمس الأول، من أن الحواجز التجارية التي أقامتها اقتصادات كبرى قد تعرض التعافي الاقتصادي العالمي للخطر، وأن آثار هذه الحواجز بدأت تظهر بالفعل. وزادت التوترات بعدما منعت محكمة صينية مؤقتا شركة مايكرون تكنولوجي الأمريكية من بيع منتجاتها من أشباه الموصلات في أكبر سوق عالمية للرقائق بدعوى انتهاك براءات الاختراع الخاصة بشركة يونايتد مايكروالكترونيكس كورب التايوانية. وقال مصدر صناعي أمريكي "بصراحة، لا أعلم ما الخطوة التي قد تقدم عليها الصين الآن وتحول دون فرض الولايات المتحدة للرسوم"، مشيرا إلى أنه لا توجد دلائل على أن هناك تواصلا حقيقيا بين الحكومتين في الوقت الراهن قد يؤدي إلى إلغاء فرض الرسوم. وصرح دبلوماسي غربي كبير لـ"رويترز"، بأنه لا توجد مؤشرات على إجراء أي محادثات في الوقت الراهن بين البلدين، ولا حتى عبر قنوات سرية.

وقال المصدر الصناعي إن الصين عجزت عن تبديد مخاوف إدارة ترمب بشأن السياسات التجارية الصينية، على الأقل في خمسة مجالات رئيسة، تشمل النقل الإجباري للتكنولوجيا وطاقة الإنتاج الصناعي الفائضة بالصيني والدعم الحكومي وإصلاح الشركات الصينية المملوكة للدولة والقيود التي تفرضها بكين في قطاع الحوسبة السحابية. إلى ذلك، لوحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالاستعداد للتفاوض بشأن خفض الرسوم الجمركية في ظل الخلاف القائم مع الولايات المتحدة، وفقا لـ"الألمانية". وقالت ميركل أمس، في العاصمة برلين بعد مباحثات مع فيكتور أوربان رئيس الحكومة المجرية، إن هناك حاجة إلى موقف أوروبي مشترك بشأن التفاوض على الرسوم الجمركية في قطاع السيارات مثلا. وأضافت المستشارة الألمانية: "ومن ثم فإن المفاوضات بشأن الرسوم الجمركية تعني تخفيض الرسوم، الأمر الذي سأكون على استعداد له، بحيث لا يمكننا القيام به مع الولايات المتحدة فقط". وكي لا تتم مخالفة قواعد منظمة التجارة العالمية شددت ميركل على ضرورة أن يحدث ذلك مع كل الدول التي تشترك مع أوروبا في تجارة السيارات.

وسوم: العدد 780