نداء .. إلى من ينتظر .. وإلى من لا ينتظر

السوريون اليوم ينتظرون حلولا عملية لما هم فيه وعلى كل المستويات ..السوريون الذين انخرطوا في مسيرة هذه الثورة وأيدوها كلٌ بحسبه ، وعلى طريقته ، جميعهم يتساءلون وينتظرون ..

نعلم أنه ، في مشهد معقد مختلط مثل المشهد السوري ، لا أحد يمتلك وصفة " أبو فاس " لوجع الرجلين ولوجع الراس والأضراس ..

ونعلم أن الوصفات الرومانسية الحالمة لا تغني للمهجرين والمحاصرين والمقصوفين والمعتقلين من الحق شيئا .

ونعلم أن الدستور الذي يريده لنا بوتين سيزيد من محنة السوريين وعذاباتهم وارتهانهم وضياعهم . وأن الحل العسكري الذي تواضعت عليه القوى الدولية سيجعل موقف السوريين مما بعد ثورتهم كموقف المصريين من السيسي بعد حسني مبارك ( الجميل )

ومع كل ذلك نؤكد أن الحلول العملية المجدية والممكنة ليست مقترحات تثاقفية تطرح في فراغ ، وتناقش في فراغ..

الحلول العملية هي حلول عملية . يطرحها ويتبناها ويسير بها من أثبت في مستنقع القرار أو على منصته رجله ..

ولسنا نعيب على الناس الذين تقدموا لتحمل المسئولية تقدمهم يوم تقدموا . ولسنا نعيب عليهم تنافسهم أو تدافعهم إلى منصة القرار ، فمن حق كل من ظن في نفسه أنه القوي الأمين ، أن يقول (( اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ ..)) ودائما يجب أن نذكر بقول الرسول الكريم صلى الله وسلم عليه في غزوة أحد وقد عرض سيفه على المسلمين قائلا : من يأخذ هذا السيف بحقه ..؟ ثم حجبه عن أقوام حتى أعطاه أبا دجانة سماك بن خرشة ...خذوا ولكن أعطوا الأمر حقه بعد أن تأخذوه ، هذا هو قوام العدل ( الغنم بالغرم ) و( الجناية على قدر الولاية ) .

لنصير اليوم إلى القول إن واجب من أخذ ونافس ودفع وتدافع إلى الأخذ بالأمس أن يعطي الأمر اليوم حقه ، وإلا فقد كان اندفاعه للأخذ غير محسوب أو غير مقبول .

والتواري اليوم ، وغمس الرأس في الرمال ، وإدارة الظهر ، والحوقلة والحسبلة ، على جمالهما ، لا يخرجان السوريين من الورطة التي هم فيها ..ولا يخرجان أصحاب الأحمال المضاعفة من مسئولياتهم (( وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ )) نصيبهم من مسئولية الأعراض المنتهكة والدماء المسفوكة وقد تولوا أمرها ثم تشاغلوا أو تغافلوا عنها ، أو لم يقوموا بحق الله فيها ..

يجب اليوم على هؤلاء المعنيين ، والمقصود كل صاحب موقع في جسم هذه الثورة في الداخل والخارج ، أفرادا وثباتٍ ومجتمعين ، أن يمتلكوا الجرأة ليقفوا أمام الناس ليقولوا لهم : إننا معكم .. وبكم مستمرون ، وهذه خطتنا وهذا طريقنا ، وأن يقدموا لكل سوري حيث كان موقعه ( أمر مهمته ) الفردي والجماعي . وأول الخطة أن يكون واضعوها والمبشرون بها والداعون إليها في مقدمة الناس تحملا وتضحية وليس ترفعا وتفضلا ..

نتذكر في هذه الأيام العصيبة كل الأجسام والبنى الثورية ، نتذكر رؤساء المجلس الوطني والائتلاف الوطني ومؤسساتهما السياسية بشكل خاص . لنؤكد أن العمل الوطني ليس ( وظيفة ) عارضة . إجازة ( تغيير شكل ) ( أستاذ معار ) ثم يعود أستاذ الجامعة إلى جامعته ، والكاتب الصحفي إلى صحيفته .. ننادي اليوم على جميع هؤلاء بكل الاحترام وبكل الود ، ننادي على جميع الأجسام الوطنية بكل الاحترام والتقدير وفي مقدمتها الجسم الوطني الأكبر في جماعة الإخوان المسلمين ، هلموا فاجتمعوا فتداركوا ، وما يزال في الأمر وسع ، ومن قال : هلك الناس فهو أهلكَهم وأهلكُهم بالروايتين

نتذكر الصحابي الجليل أنس بن النضر رضي الله عنه الذي وقف بين الصفين يوم أحد والمسلمون يتراجعون فقال : اللهم إني أبرأ إليك مما يفعل هؤلاء ( وأشار إلى المشركين ) ، وأعتذر إليك مما يفعل هؤلاء وأشار إلى المنهزمين من المسلمين ..

لنقول مثله : اللهم إنا نبرأ إليك مما يفعل الروس والإيرانيون والأسديون

ونبرأ إليك من كل المفسدين الذين كانوا في جسم ثورة الحق والعدل يفسدون ولا يصلحون ..

ونعتذر إليك من إمرة العاجزين ، ومن غيبوبة المتقلدين ، ومن غفلة الصالحين ..

ودائما كان في صنع التاريخ للحظة رجال . وحظ " رجال اللحظة " في المشهد السوري اليوم أكبر بعشرات المرات من حظ بشار الأسد ولفيفه أجمعين ..

أكبر بعشرات المرات لو كانوا يعلمون . ..

وكيف يعلمون وهم لا يفكرون ولا يقدرون ولا يدبرون بل ما زالوا يتدابرون وفي غفلتهم يعمهون ..

اللهم اهد السوريين لما اختلف فيه من الحق بإذنك ..واجمع قلوبهم عليك .

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 780