دعونا نفكر خارج الصندوق؟
مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية
مدخل
في منطقة هي موطن انتاج الطاقة وفيها أمة مستهلكة للإنتاج وسوق للدول المتقدمة صناعيا؛ تلك التي تحتاج طاقة المنطقة وسوق لمنتجاتها، ولكونها مركزا وممرَ الأمم عبر العصور فمن الطبيعي ان تكون هذه المنطقة ساحة للصراعات المعلنة والدفينة ولا يهم القوى في الدول الصناعية اليوم إلا أن تبقى هذه المنطقة سوقا لمنتجاتها وسياسة تسويق الطاقة رهن مصلحتها.
كل صراع عبر التاريخ يترك انطباعا وفكرة لذا نجد أن منطقتنا حاوية لما في العالم من أفكار وأيدولوجيات متعددة ومختلفة، بيد ان هذه الأفكار ترتكز غالبا على انطباعات ولا ترتكز على الغاية من الفكرة في مسار الحياة المدنية فتكون ذات طابع عبثي يخفي متطلبات الحاجات والغرائز لتسود حقيقة الامر وتحرك فاعلية المنظومة التي اسميها (منظومة تنمية التخلف).
اليوم نرى حديثا عبثيا بين من يزعم انه إسلامي وآخر لبرالي وبعضهم ينادي بالعلمانية على أساس انها نقلت الدول الغربية الى وضع انطلقت منه نحو النهضة ... فما حصل ان لا تقدم مدني وانما صراعات غريزة حب السيادة والتملك وحاجات العيش باسم هذه المزاعم ولا نهضة ولا تنمية وانما امعانا في التخلف ووضع الناس لبعضها في صناديق ومسميات لكي يسهل عليها الهجوم واختيار السلاح كل من خندقه وصندوق عقله.
هذه الحالة تخنق القدوة، وتحارب لإسقاط الأمل لان الفكر الحر خارج هذه الصناديق سيصبح جسما غريبا وكل يريد تحديده ووضع احداثياته ليطلق عليه النيران والجدل، فلا يجد المصلح نفسه الا تحت مرمى نيران الجميع وانتقاد الجميع وربما يدفع ثمنا باهظا لهذا قد لا يتحمله فيتراجع نحو الانزواء أو الهروب الى حيث يعيش حياة أخرى.
هل يفهم الزاعمون ما يزعمون!
دعونا ندقق في مزاعم الإسلاميين أولا وهم ما بين داع للخلافة وتطبيق الشريعة وبين داع الى اتخاذ الديمقراطية وسيلة للوصول الى ذات الغاية او السلطة وعندها يحتفظ بالاسم دون ان يدري ما يفعل.
هذا (الانطباع) عن فكرة الدولة في الإسلام ككينونة جاهزة والحديث عن "استئناف" الحياة وكأنها توقفت ولم يحصل الا انقطاع اجباري هو من العقبات الكبيرة في الفهم والوصول الى هدف واضح معلوم، وهو مقيد للفكر الإسلامي نفسه بل لمقاصد الشريعة وغاية الإسلام في تنظيم الحياة.
هل من وضوح عند هؤلاء الناس بنواياهم الحسنة والتي تتعرض للفساد عند الفشل وحالة الانكار التي تتبعها فيصبح الاهتمام بالكرسي وتستثار غريزة حب السيادة لتوحد هذه المجموعة وكأنها تتخندق للدفاع عن فكر يتعرض لمقاومة بينما واقع الحال هو فشل الفهم الأمر الذي جعل من الإسلام قالبا قديما مثله مثل أي قالب مستورد كالشيوعية والدعوات الأخرى لبرالية او رأسمالية او اية فكرة منبثقه عن كل هذا، هي قوالب لا غير تفشل في احتواء مجتمع، وأن لا استئناف فهذا ليس انقطاع وإنما تغيير سمه تحول تطور او ضياع لا فرق، لكن ما يحتاجه بداية جديدة بفهم جديد وخيارات لا وصاية ولا بضاعة فكرية.
الإسلام واقعا لم يفشل وإنما فشل فهم من جاء يحمله ليتولى السلطة ويفرض خيارا لا يتناسب مع التغيير عبر قرون طويلة ومهملا لهذا التغيير، حتى الناس نفسها لو خيرت ديمقراطيا فإنها ستختار الإسلاميين كل مرة، لكنها لا تفهم لم لا تستطيع لا ترى ما في انطباعها وخيالها، كل ما في الامر ان المجتمع والفكر يحتاجان الى إعادة تنظيم باستنباط الحلول للعصر فكريا، وبفهم الناس للفكر عقلا وليس من خلال غريزة التدين أو تراكم انطباعات عن ماض زاهر يستدعيه واقع عقيم.
الإسلام منهج حياة، والقرآن روح من الله صالح لكل زمان ومكان لأنه مثاني أي طيات يفتحها المفكرون ليجدوا حلولا في كل عصر لذلك العصر وهو ليس دينا اتى من التاريخ فالله لا يمر عليه الزمن وهو خالق الزمن والقرآن كلامه.
ذات الشيء ينطبق على الزاعمين لللبرالية، هل هم حقا لبراليون... الواضح من التجربة إن الكثرة من هؤلاء يقصون ويجتثون الاخر ولا يهمشونه فقط، فهمه لللبرالية أنها صندوق يجعله قريبا من المنتصر أمام هوية مهزومة عند نفسه، في حين أن اللبرالية آلية وليست فكرا وإنما إقرار متفق عليه للحريات ووصف لحالة أمة وممكن أن يتغير هذا الوصف ليحتويه القانون الذي هو السيد في المجتمع، وترى التربية تتبع هذا وربما تستغرب بعض السلوكيات التي نعتبرها شاذة لكنها لم تدخل في قواعد السلوك والتربية في هذا البلد او ذاك من البلدان المتقدمة.
ونأتي الى صندوق العلمانيين، العلمانية أتت نتيجة ثيوقراطية... ماهي حقيقة الثيوقراطية؟، هي في ماهيتها راي الهوى وجعله مقدسا وكان من رجال الدين فمن الطبيعي أن يكون مقدسا باعتبار مخالفه يخالف الدين، وهو في حقيقته رأي إنسان ليس إلا... نرى اليوم هذا التقديس من العلمانيين أنفسهم فالعلمانية
باتت دين في بعض الدول ويعتبر رأي معتنقها لا ينبغي خلافه بل بقوة القانون، فما الفرق؟! عمليا لا فرق فهي ثيوقراطية لا دينية.
من هذا وذاك فليس من فهم يسمح بالتنمية والنهضة، وأن الصراعات لا تكون بيئة للمدنية والتنمية، فهنالك ضرورة ملحة للفهم والتعامل مع هوية الامة بفهم آخر ومراجعة الجميع لسجن أنفسهم في صندوق يزعم أنه انتماء ولابد من إطلاق العقل وتحرير الفكر لكي نصل الى الطريق الصائبة.
إذ أن يكون واجب الإسلاميين وغيرهم ليس فرض صيغة تفكيرهم، وإنما توفير الجو والبيئة لعصفأو حراك ذهني، واستقرار الناس ليكون عندها القدرة لهذا التفكير؛ عندها ستختار والكل
سيتبع خيار الأمة وهذا حقها على نخبتها لان الناس تحاسب على خيارها ولا يفرض عليها رأي فتحاسب عليه، هكذا كانت الخليقة ولهذا كنا في الأرض فالله جل وعلا لا يفرض على الانسان شيئا وإنما يعرض عليه ويستحسن له وينصح بالوعظ فتلك معايير العدالة الحق ومهما كان خيارها عند ذاك فهي ستنهض. أما إنه نهوض قائم على فكر دين او غير ذاك فتلك مسألة تتعلق بمن ولد قناعة ووصل درجات المصداقية والسلوك ليكون نموذجا فاعلا في التنمية والنهضة فاقنع الناس بفكره وليس من خلال الصراعات وفرض الرأي والاضطرابات التي تبقينا في صناديق التخلف.
وسوم: العدد 782