إيران ودبلوماسية حافة الهاوية الكاذبة
مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية
تحدّث المرشد الأعلى لجمهورية إيران الإسلامية آية الله خامنئي داعماً أقوالًا سابقة قد أدلى بها الرئيس روحاني، وقد واجهت حينها عاصفة من الانتقادات الداخلية، حين صرح: بأنه إذا لم يتم تصدير النفط الإيراني، فلن يتم تصدير نفط دول المنطقة، وأضاف خامنئي في أثناء لقاءه مع عدد من الوزراء والسفراء والمسؤولين أنه من الخطأ تصوّر حل مشكلات إيران عن طريق التفاوض أو التعامل مع الولايات المتحدة، لأن أمريكا لديها مشكلة مع أسس النظام الإيراني، وشدّد على أن البعض يتحدث عن طريق الخطأ عن ضرورة فصل الدبلوماسية عن الأيديولوجية، في حين أن الدبلوماسية والأيديولوجية لا تتعارضان مع المصالح الوطنية. ويعتقد أنه إذا حللنا مشاكلنا مع أمريكا، فإننا سوف نحل كل مشاكل إيران، وخلص إلى أنّه لا يمكن حل مشاكل طهران مع الولايات المتحدة.
وقد لوحت طهران سابقاً بإغلاق مضيق هرمز، ومنع السفن من العبور في حال حاولت واشنطن وقف صادرات النفط الإيرانية، حيث صرّح قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري قبل أقل من أسبوع: "بأن مضيق هرمز إما أن يكون للجميع أو ليس لأحد"، وأضاف جعفري: "سوف نجعل العدو يفهم إما أن يتمكن الجميع من استخدام مضيق هرمز أو لن يستخدمه أحد"، في تأييد واضح منه للتحذيرات التي أطلقها الرئيس الإيراني حسن روحاني سابقاً.
لكن ما أهمية مضيق هرمز؟ تقول إدارة معلومات الطاقة الأميركية إن 18،5 مليون برميل من النفط مرّ يوميا من خلال مضيق هرمز في عام 2016، ويمثل هذا القدر من الصادرات نحو 30 %من النفط العالمي المنقول بحريا. وفي عام 2017 وصلت صادرات النفط المنقول بحريا عبر مضيق هرمز إلى 17،2 مليون برميل يوميًا، فيما وصلت الصادرات خلال النصف الأول من 2018 فقط إلى 17،4مليون برميل يوميًا، ويأتي معظم هذا النفط من السعودية وإيران والإمارات والكويت والعراق، كما يعبر معظم إنتاج قطر من الغاز المسال من خلال مضيق هرمز.
لكن ما هي فائدة دبلوماسية حافّة الهاوية التي تتبناها إيران؟ وما هي الأهداف التي تسعى لتحقيقها؟
لا شك بأن العائد الاقتصادي يعتبر في مقدمتها، حيث لا زالت الذاكرة الايرانية حيّة، عندما لوحت في العام 2008 م بغلق المضيق، فارتفعت أسعار النفط بشكل قياسي، ووصل سعر البرميل الواحد إلى 147 دولارا. لكن ما خفف من وطأة تهديدات غلق المضيق قيام السعودية بالاعتماد على موانئ البحر الأحمر للتصدير، وكذلك بناء الإمارات لاحقًا خطوط أنابيب يبلغ طولها 240 ميلًا استطاعت أن تصل أكبر الحقول الإماراتية ببحر العرب، لكن المضيق يظل في النهاية الوسيلة الأساسية لنقل النفط والغاز من دولة كالكويت وسلطنة عمان وقطر.
الدول المتضررة من غلق المضيق غير دول خليج العربي، قد تكون الصين أحد أكبر المتضررين جراء غلق المضيق، إذ تعد الشريك التجاري الأول والأكبر مع إيران على مستوى العالم، حيث تستورد الصين ما يقدّر ب 20-24% من إجمالي صادرات النفط الإيرانية البالغة 3 مليون برميل يوميا.
لكن المهم في خضمّ التصعيد الإيراني يبرز السؤال الآتي: مدى جديّة إيران في غلق مضيق هرمز؟ وبخاصة في ظلّ لجوء طهران لدبلوماسية حافّة الهاوية بعد سلسلة التهديدات التي أطلقتها إيران سابقاً، والتي أثبتت أن هذه التهديدات لا تعدو عن كونها مجرّد شعارات فارغة للاستهلاك الداخلي، وأكبر مثال على ذلك وعيد إيران بردّ مؤلم وغير مسبوق في حال انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي، هذا فضلًا عن تصريحات برفع نسبة التخصيب مباشرة إلى 20%، واستهداف القواعد الأميركية ... وغيرها الكثير حيث لم تتوسل بها إيران، خشية ورهبة من الرد الأميركي.
لا شكّ بأن الأمور سوف تتطوّر إلى المواجهة في حال وجود أي محاولة إيرانية بائسة لغلق المضيق، أو في حال تهديد أمن الملاحة هناك، لأن الأساطيل الأميركية لم تأتي إلى المنطقة لصيد السمك، بل ستحرص على إحباط أي محاولة إيرانية في حال فكّرت بأي خطوة للمواجهة، وهي تدرك تماماً أن واشنطن ستكون لها بالمرصاد، وهذا ما جعل إيران تغرق في الحديث عن الصمود، بينما التهديد بالرد على الولايات المتحدة أمر مستبعد، فهي تدرك تماماً تبعاته المدمرة عليها، وأن واشنطن ستعيد إيران إلى العصر الساساني.
المرشد خامنئي يعلم جيدا أن إيران لن تستطيع اغلاق مضيق هرمز، وأن المجتمع الدولي بأكمله سيقف ضدّها، وأن ما تردده إيران ليل نهار بهذه الأسطوانة المشروخة ينبع من خوف وهلع بات يعيشه نظام الولي الفقيه، في ظلّ ما تعانيه من ظروف داخلية "اقتصادية واجتماعية وسياسية " ولهذا تلجأ إلى أساليب (المراهقة السياسية) التي لن تقدم ولن تؤخر شيئًا، وأن إيران فعلاً "نمر من ورق"، لكن الغرب هو الذي سمح لها بالتمدد، وبتهديد دول المنطقة، مستغلاً الظروف التي تعيشها المنظومة الإقليمية المتصدعة.
وسوم: العدد 782