من يساهم في تأخير تحرير العراق ؟
النقاش حول طبيعة ما يحدث في العراق اتخذ مسارا متصادما فالبعض يصر على اعتباره مجرد صرخات احتجاج على انعدام الخدمات والفساد وان الطبيعة الايديولوجية (الطائفية) الراسخة للمتظاهرين لاتسمح لهم بالخروج منها ، كما ادعى شيعي متامرك ، ومن ثم فان من الضروري معاملة هذه الاحتجاجات مثلما عامل اهل الجنوب احتجاجات الوسط والشمال في الاعوام الماضية،اي عدم تأييد السنة للاحتجاجات الحالية كما كتب سني طائفي! ما يهمنا الان هو التحديد الدقيق لما يجري ودحض الاراء التي قد تفقدنا الفرصة التاريخية التي سنحت لاسقاط مخطط الفتن الطائفية وتوريث المزيد من الازمات .
1-انكار وجود انتفاضه وطنية حقيقية في الجنوب يفضي الى واحد من فرضيتين : فاما هو جهل بطبيعة ما يجري ، والجاهل لايعتد به اصلا ولايجوز الانشغال بثرثرات الجهلة، او هو تجاهل لطبيعة ما يجري وانكار لحقيقته رغم معرفة الناكر بالحقيقة ،وهنا نرى الانا المغمسة بدم الطائفية ، فوجود مؤثرات طائفيه تغلبت على الانتماء القومي هو ما يفسر انكار الطبيعة الوطنية الواضحة للانتفاضة من قبل البعض والدعوة لتجنب دعمها ، وهذا الموقف هو التثقيف نفسه لدى نغول اسرائيل الشرقية ولكنه مقلوبا ومكملا له حتما، لانه يخدم هدف تعقيد الصراعات العراقية والعربية وادامتها وتغذيتها بدل حلها جذريا خصوصا حينما نلاحظ ان كتابا انتموا لهذا الخط الطائفي انكروا تطور الانتفاضة وتجاهلوه وهو الذي اوصلها الى طغيان الطبيعة الوطنية على الطبيعة المطلبية ، والقصدية تبدو واضحة من خلال تركيزهم فقط على بدايتها التي كانت مطلبية مع ان كتابة تلك المقالات حصلت في المرحلة الوطنية للانتفاضة ،والتي عبرت عنها شعارات معادية لاسرائيل الشرقية ( ايران برة برة ...) وهذه شعارات ترفع وتردد لاول مرة بهذا الحجم الكبير والحماس التلقائي العفوي ،اضافة لتسقيط كل العملية السياسية ورفض لكافة الاوضاع التي ترتبت على الاحتلال .الطائفي السني والطائفي الشيعي وجهان لعملة واحدة ، هذه حقيقة ثابتة .
اما الطريقه الثانيه لتفسير هذا الموقف فتقوم على انه ليس ثمرة تربية طائفية بل هو تنفيذ للمخطط الطائفي لتقسيم العراق سواء بالتبعيه لاسرائيل الشرقية او بالتبعية لامريكا او لغيرهما من القوى التي من مصلحتها تقسيم العراق. فما تثقف على اساسه كل من امريكا واسرائيل الشرقية وقبل احتلال العراق هو ان هناك صراع طائفي متغلب على كافة الصراعات وان على المتصارعين حسمه طائفيا ! وهذا التثقيف واضح الهدف فحينما نعد الصراع طائفيا نخفي جوهر الصراع وهو انه صراع وطني وقومي تحرري ضد الاستعمارين الامريكي والايراني ،لاننا اذا وقعنا في فخ مقولة انه صراع طائفي تسقط خياراتنا الوطنية ولا يبقى دائرا الا صراع طائفي مدمر له بداية ولكنه بلا نهاية سوى تدمير الامة بكافة اقطارها تقسيما وشرذمة والغاء للهوية الموحدة والجامعة وهي الهوية الوطنية العراقية والهوية القومية العربية.
ما ان ندخل حلبة الصراع الطائفي حتى نتحول رغما عنا الى ادوات بيد اما اسرائيل الشرقية او امريكا او اطراف اخرى ونفقد استقلاليتنا وتنعدم قدرتنا على حسم الصراع لصالحنا .اذا رفضنا اقرار انها انتفاضه وطنيه ما البديل ؟ البديل هو افتراض انها انتفاضة مطلبية وانها خاضعة لايديولوجيا طائفية راسخة ولايمكن التخلص منها كما قال الشيعي المـتامرك الذي خدم بعلمه او عفويا المخطط الطائفي وهو ينسجم مع غيره من السنة الطائفيين الذين لايريدون النزول عن بغلة الطائفية ويصرون على ان ما يجري في الجنوب مطلبي وانها لعبة ايرانية صرفة ويجب مقاطعتها !دون ادنى شك فان من يرفض النزول من ظهر بغلة الطائفية سواء كان سني او شيعي لن يجد نفسه الا في احضان خطة مهندسي الفتن الطائفية بكافة اسماءهم وفي خدمتها ، وهذه هي النتيجة الطبيعية لتجاوز الواقع المعاش والاقتيات على ماض تصرم او حالات منفردة لاجل اثبات صحة فرضياته .
لنفترض انها عبارة عن مزيج من تأثيرات الايديولوجيا الطائفية (الراسخة ) وغير القابلة للاجتثاث ومن تأثيرات تيارات وطنية حقيقية في الجنوب ( شباب الانتفاضة ،بعض الشخصيات العشائرية ،بعض رجال الدين وضحايا الغزو الايراني ..الخ، )، القوى الاخيرة استطاعت نقل الانتفاضة الى حالة ازدواجية وتعدد المؤثرات : فهناك تأثير ايراني وهناك تأثير امريكي ايضا ،ولكن هناك ايضا ما لا يجب انكاره وهو تأثير وطني حقيقي ومن يشك ليعد لرؤية افلام صورت حرقة وصدق المتظاهرين الذي شتموا اسرائيل الشرقية ولعنوها ومزقوا صور خامنئي وخميني وداسوها بالنعل وهؤلاء وطنيون عراقيون دون ادنى شك وهم الذين طغى صوتهم على اصوات نغول امريكا ونغول اسرائيل الشرقية بدليل دامغ هو استشهاد 14 شاب حسب الاحصاءات الرسمية واكثر من 50 شهيد حسب المتظاهرين ، فهل من الانصاف والموضوعية الاصرار على انها ليست انتفاضة وطنية وانما هي تحرك طائفي وايراني ؟
واذا انكرنا هذا الواقع الا يجعلنا ذلك نترك الساحة لمهندسي الفتنة ونغولهم كي يعيدوا ضبطها والسيطرة على الجماهير مرة ثانية ؟ ام ان نناضل بلا هوادة من اجل دعم وتنمية الوعي الوطني العراقي وتعزيز الهوية القومية العربية في الجنوب من خلال دعم الانتفاضة بكل قوة جنبا الى جنب مع معرفة طبيعة المؤثرات المتناقضة الموجودة عليها ؟ المناضل وفي كل الصراعات لايدخل ساحة صراع نقية وواضحة ولهذا واجبه الاول هو تحديد كيفية اختراق الحدث والعثور على مؤثرات غير تلك التي تطغى ظاهريا عليه ، وعندما يعثر على امكانية تغيير مسارات الحدث المتفجر لصالح قضية الشعب فعليه ان يعمل بلا تردد على تحقيق ذلك لا ان يستسلم لما يجده امامه جاهزا وهو الصورة الظاهرية للصراع التي لاترى ما في داخله .
ما حصل في الجنوب ويجب التركيز هلى هذه الحقيقة التي تناولناها في مقال سابق هو انتقال التظاهرات الى حالة الانتفاضة الوطنية لانها حققت احد اهم اهداف الحركة الوطنية العراقية وهو اسقاط المخطط الطائفي وتأكيد ان الشعب العراقي واحد وان الطائفية ليست اكثر من صراعات بين كتل واحزاب سياسية مدفوعة بتـاثيرات خارجية . وهذا الذي حصل هو الانجاز الاعظم حتى الان ومهما كانت نتيجة الانتفاضة وعلينا البناء عليه وتطويره لمرحلة لاحقة من نضالنا التحرري الوطني ، اما اذا رفضنا ذلك فان البديل الوحيد هو انتقال الصراع الطائفي من صراعات سياسيه بين احزاب طائفيه مع تاثر جماهيري محدود وسطحي الى صراعات طائفيه بين الجماهير ذاتها وهنا مكمن الخطر المميت الذي خططت له القوى المعاديه.
لذلك ومع اقرارنا بوجود تجهيل وامية و هيمنه الخرافات الطائفيه علي كثيرين الا ان علينا ان نقر بصورة اقوى حقيقة ان قساوه الوضع التي تجاوزت حدود احتمال الناس بوضعهم على حافه الموت نبهت فطرتهم السليمه الي ان الحكومه ومن يتحكم بمساراتها عدو يجب القضاء عليه ،وهنا انثالت تيارات الوعي الوطني العراقي وظهرت الاصول القوميه العربيه لتفرض نفسها على كل المؤثرات ففي مرحله القمع الفاشي صارت الشعارات وطنيه وقوميه بينما في مرحله البدايه كانت مطلبيه. ومن البديهي ان الدمج بين الوطني والمطلبي يعزز الانتفاضة ويوسع نطاقها وليس العكس بشرط اخضاع المطلبي للوطني .
الحركه الثوريه هي التي تستطيع التقاط اللحظه التاريخيه والامساك بها بقوه لقلب كافه التوازنات حتى وان كانت المعطيات ليست كلها ايجابيه فعلى الاقل تستطيع بقلبها ايجاد متطلبات وقواعد قويه لعمل وطني وقومي ثوري متعدد الاشكال وسط حمايه جماهير تخلصت من اوهام ووعود الطائفيين واتباع اسرائيل الشرقية وكذلك من وعود امريكا المخدرة لحماس الناس .
ما يجب الاعتراف به هو ان مشكله الحركه الوطنيه العراقيه وكافه الوطنيين هي ان قطاعات واسعه من جماهير الجنوب سايرت الاحزاب الطائفيه وهي كانت مقتنعه بان تلك الاحزاب منها وتعبر عن تطلعاتها وسوف تحقق لها مكاسب ولكنها بعد اكثر من عشر سنوات اخذت تكتشف زيفها وانها لا تمثلها باي شكل بل توصلت في العام الخامس عشر للغزو الى ما هو اهم وهو ان اسرائيل الشرقية ليست حريصة على الشيعه و انما هي تريد تدمير العرب وكل مايخصهم بما في ذلك تدمير الشيعه واستغلالهم لتحقيق اهدافها القوميه والتي تتبرقع بالطائفيه لتحقيق اغراضها.ولهذا قلنا انها اللحظه التاريخيه لانها قوه جبارة نقلتنا من المطلبية الى اخرى مختلفه جذريا هي الانتفاضة الوطنية التحررية بقوه الوعي الانساني، فهل نفقد زخم هذه اللحظه التاريخية تحت تاثير اوهام طائفيه او احقاد حزبيه وثأرات تحقق لاسرائيل الشرقيه ما اخذت تيأس منه وهو استعادة السيطره على كتل جماهيريه شيعيه خرجت بقوة وشجاعة عن سيطرتها ؟
لنفترض ان من يقفون اليوم ضد اسرائيل الشرقية هم ادواتها اليس من اهم واجباتنا الوطنيه ومن اهم شروط تحرير العراق من الغزو الايراني واجب اقناع اي كتلة او حزب او شخص بالتراجع والعودة للصف الوطني ؟هذه من اهم اسس الوعي الوطني ومن بين اهم اسباب نجاح الثورات فما لم تقلص مساحه تاثير العدو الرئيس وما لم تجرده من داعميه او قسم منهم على الاقل لن ننتصر عليه ابدا وسيصبح الصراع اكثر تكلفه ،وفي حاله العراق فان عوده الصراع الطائفي بمشاركه شعبيه حقيقيه نتيجه الياس من مواقف نخب سنية واصرارها على المواقف الطائفية المضادة اضافة لقمع نغول اسرائيل الشرقية سيكون نفقا لا يفضي الا الى تقسيم العراق .
البديل الوطني الصحيح هو فتح كافه الابواب لتراجع من يمكن اقناعه او من اخذ يتردد ويتارجح .هل هذا اختراع منا؟ كلا خذوا سيره نبينا العظيم مع من كانوا كفارا وشاركوا في محاربه المسلمين الاوائل لكن بعضهم حينما تراجع صار من رموز الاسلام العظيمه التي حققت بعض اهم انتصاراته مثل القائد القومي الفذ خالد بن الوليد الذي كان كافرا يحارب المسلمين لكنه اسلم واجاد في الدفاع عن الاسلام ونشره فوصفه نبينا بانه (سيف الله المسلول) ، فهل نحن اكثر وعيا ومعرفه من نبينا ؟ وهل نحن خلق الله اعرف من الله الذي جعل فتح الابواب لمن يتراجع ممكنة ، بل ضرورة لابد منها ؟
وسوم: العدد 783