ما العقوبات التي تهدد واشنطن أنقرة بها؟

هدد مايك بنس نائب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته، بفرض عقوبات قاسية ما لم تقم أنقرة بالافراج الفوري عن القس أندرو برانسون. وقال المسؤول الأميركي: «أطلقوا القس برانسون أو استعدوا لمواجهة التداعيات.. سنفرض عقوبات كبيرة على تركيا الى أن يتم إطلاقه».

وسرعان ما كرّر ترامب التهديد ذاته للمسؤولين الاتراك، قائلا: «ستفرض الولايات المتحدة عقوبات كبيرة على تركيا بسبب اعتقالها منذ وقت طويل للقس أندرو برونسون، وهو رجل مسيحي عظيم ورجل عائلي وإنسان رائع.. يجب إطلاق هذا الرجل البريء على الفور».

ومارست واشنطن أخيراً حملة من الضغوط السياسية والإعلامية والقانونية على تركيا، على خلفية عدد من المواضيع التي يختلف عليها الجانبان، على رأسها طبيعة العلاقة مع روسيا (شراء أنقرة لمنظومة الدفاع الروسية المتطورة إس – 400)، واحتجاز الراهب الأميركي بتهم تتعلّق بالتجسس ودعم الإرهاب.

وتأتي هذه الملفات لتضاف الى الخلاف القائم بين أنقرة وواشنطن على سياسة الأخيرة في سوريا ودعمها لميليشيات كردية مصنّفة مجموعات إرهابية ذات صلة بـ«حزب العمال الكردستاني» المصنّف كذلك منظمة إرهابية لدى الولايات المتّحدة وعدد من الدول الاوروبية وحلف شمال الأطلسي (الناتو).

وتشمل قائمة العقوبات التي تهدّد الإدارة الاميركية تركيا بها منع تسليم مقاتلات إف – 35 المتعددة المهام، وإبعاد أنقرة عن برنامج إنتاج المقاتلة، الذي تشارك فيه إلى جانب دول أخرى. وكانت الجهود الأميركية لإيقاع هذه العقوبة بتركيا بدأت منذ أبريل الماضي، عبر مشروع قانون قدمه السيناتوران الجمهوريان جيمس لانكفورد وتوم تيليس، والسيناتورة الديموقراطية جين شاهين.

وفي يونيو الماضي، مررت لجنة القوات المسلحة فى مجلس الشيوخ نسختها لميزانية (البنتاغون)، التي تنص في أحد بنودها على منع تركيا من شراء «إف – 35». وفي 23 يوليو تم الاتفاق على إجراء يتعلّق بالسياسة الدفاعية ويتم بموجبه تعليق عملية تسليم مقاتلات إف- 35 الى تركيا الى أن تقدم «البنتاغون» تقييماً شاملاً خلال 90 يوما من تشريع الإجراء، يتضمن تأثيره على العلاقات بين واشنطن وتركيا، وتأثير استحواذ تركيا على «إس – 400»، بالإضافة الى التداعيات المحتملة لإخراج تركيا من برنامج إنتاج إف – 35 على القاعدة الصناعية الاميركية.

استهداف الاقتصاد

ومن الأوراق الأخرى التي تحاول الإدارة الأميركية استخدامها للضغط على تركيا فرض عقوبات ذات طبيعة مالية أو اقتصادية، فقبل أسبوع تم اقتراح مشروع قانون يوجّه المسؤولين الأميركيين في المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية الى التصويت ضد منح تركيا أي قروض أو مساعدات اقتصادية أو تقنية من المؤسسات الدولية المعنية. ومع أن القانون يستثني صندوق النقد الدولي، إلا أنه يخوّل ممثل الولايات المتحدة فيه بأن يقوم بالتواصل مع الدول المانحة لتطوير سياسة متماسكة حيال الانخراط المستقبلي في إقراض الحكومة التركية.

وإلى جانب هذه الأدوات، يحضّر المشرّعون الأميركيون لمشاريع قوانين أخرى، بينها ما سيمنع بعض المسؤولين الأتراك من دخول الولايات المتحدة، وربما قد يتطور الوضع أيضاً الى فرض عقوبات على آخرين.

ولكن من الملاحظ أن هذه العقوبات تغطي نطاقاً واسعاً من جانب العلاقات الأميركية – التركية، يشمل الشق المالي والاقتصادي، والشق العسكري والتقني، والشق السياسي، وتمّ ربطها جميعاً بشروط مختلفة، بينها ابتعاد تركيا عن روسيا وامتناعها عن شراء «إس – 400» والإفراج عن القس الأميركي، وشروط أخرى تمثّل تدخّلاً سافراً وخرقاً للسيادة التركية.

المسؤولون الأتراك كانوا قد ردّدوا مرارا بأن أنقرة ستتّجه الى روسيا حال منع تسليمها «إف – 35»، كما أن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس حذّر الكونغرس من مخاطر إخراج أنقرة من برنامج إنتاج المقاتلة، مشيرا إلى أن ذلك سيؤدي إلى حدوث خلل في سلسلة الإمداد على المستوى الدولي، ومن شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وتأخير تسليم المقاتلات، وفي النهاية الى إيقاف إنتاج «إف – 35».

ولا يبدو أن أنقرة قلقة كثيراً في شأن تسلّم «إف – 35» مقارنة بالعقوبات المالية والاقتصادية التي قد تفرضها الولايات المتحدة عليها، ففي خطاب ألقاه خلال اجتماع للكتلة البرلمانية لـ«حزب العدالة والتنمية»، بداية الأسبوع الماضي، قال الرئيس التركي إن نظيره الأميركي كان قد أطلعه على هامش قمة «الناتو» على تصريح خطّي له يضمن تسليم المقاتلات الأميركية. وأكد أردوغان: «لا نشعر بأي قلق في هذا الخصوص».

ولكن في المقابل، أشارت تقارير خلال الأشهر القليلة الماضية – بينها تقرير لـ القبس – إلى أن البنك المركزي التركي كان قد نقل أخيراً احتياطياته من الذهب المخزّن في الولايات المتّحدة، التي تبلغ قرابة 220 طنا، إلى تركيا، وأن بنوكا أخرى، كالبنك الزراعي وبنك الوقف وبنك خلق، نقلت هي الأخرى احتياطياتها من الذهب المخزّن هناك إلى تركيا خوفاً من عقوبات مالية واقتصادية محتملة.

الانفتاح على الصين

وفي مواجهة أزمة التمويل المحتملة جرّاء التهديدات الأميركية بمنع أي قروض دولية لتركيا، أعلن وزير الخزانة والمالية التركي براءة البيرق، موافقة البنك الصناعي والتجاري الصيني على منح قطاع الطاقة والمواصلات التركي قرضاً بقيمة 3.6 مليارات دولار، في توجه جديد على ما يبدو للانفتاح بشكل أكبر على الصين.

ولكن في مواجهة هذا النجاح المؤقت، فمن المتوقع أن تواجه أنقرة صعوبات جديدة حال تطبيق واشنطن للعقوبات المتعلّقة بالتجارة النفطية والتعاملات المصرفية على إيران، وهو ملف سيأخذ حيّزه من دون شك من المعارك الكلامية الجارية، وقد يتطور الى عقوبات على تركيا نفسها في حال لم يتم التوصل إلى توافق في شأن كيفية إدارة علاقاتهما الثنائية والمحافظة على المصالح المشتركة.

وسوم: العدد 783