التطرّف آفة قصيرة العمر، شديدة التدمير، أهم محفّزاتها: الظلم والفساد!
التطرّف آفة قصيرة العمر، شديدة التدمير، أهمّ محفزاتها،اليوم ،الظلم والفساد! سابقاً،كانت صناعة محلية ، واليوم هي صناعة دولية..كيف تعالَج؟
خرجوا على عليّ ، وكثير منهم من حَفَظة القرآن ؛ فسُمّوا خوارج ، وظلّوا يحملون الاسم ، حتى انتهت فتنتهم ، في العصور الأولى !
قاتلهم عليّ ، وهزمهم ، عسكرياً ، في النهروان ، وأرسل إليهم ابنَ عمّه ، عبدالله بن عبّاس، فحاورهم ، وأقام الحجّة عليهم ، وعاد كثير منهم ، إلى الصواب ! وتمكّنوا مِن عليّ ، بعدها ، فاغتالوه ، وظلّواخوارج !
ظلت فتنتهم قائمة ، في عهد بني أميّة ، حتى قُيّض لهم ، قائد عسكري فذّ ، هو: المهلّب بن أبي صُفرة ، فمكَرَ بهم ، عسكرياً ، وتغلّب عليهم ، في أكثر المعارك ! ثمّ مكَر بهم ، سياسياً ، فمزّق صفّهم ، بأسئلة فقهية ، اختلفوا حول إجاباتها ، وتفرّقوا ، وأجهز عليهم ،عبر المَكر العسكري والسياسي ، حتى انتهى بهم الأمر، بعد حين ، إلى التشرّد في الآفاق ، بين الجزائر، وعُمان ، ومناطق أخرى !
ولهم أشعار حَماسية كثيرة ، حفظتها كتب تاريخ الأدب ! ولهم آراء كثيرة ، حول وجوب قتال المسلمين ، الذين وصفوهم ، بالمرتدّين : بين من يُوجب قتالهم ، ومن يُجيزه ، وبالتالي ؛ يجيز القعود عنه ، وسُمّي مجيزو القعود : بالقعَديّة !
وكانوا يسمّون فصائلهم ، بأسماء قادتهم : فأتباع ابن الأزرق ، سُمّوا الأزارقة ، وأتباع نجدة بن أبي عامر، سُمّوا النجَدات ، وأتباع ابن أبي اباض ، سُمّوا الإباضية .. وهكذا !
لقد أحدثوا فتناً شديدة ، بذرائع شتّى ، أهمّها : الظلم والفساد ؛ لاسيّما ، في عهد بني أميّة ! لذا؛ توقفوا عن القتال ، في عهد عمر بن عبدالعزيز، لعدله ! وكان سلوكهم ، نابعاً من اجتهادات خاصّة بهم ! بيدَ أنهم ، ارتكبوا جرائم ، هي أفظع ، من جرائم الحكّام ، الذين خرجوا عليهم ! فتهمة الحكّام ، عندهم ، هي أكل المال العامّ ، وظلم الرعية ! أمّا هم ، فاستباحوا دماء المسلمين، عامّة ؛ إذ كفّروا الحكّام ، وكفّروا مَن لم يكفّرهم ، وكفّروا مَن لم يكفّر، مَن لايكفّرهم ..!
انتهت فتنتهم القديمة ، وظهروا من جديد ، بثياب جديدة ، واجتهادات قديمة متجدّدة !
كانت صناعة قياداتهم القديمة ، محلّية ، قائمة على الفعل ، وردّ الفعل ، داخل الدولة المسلمة ، والمجتمع المسلم .. باجتهادات صبيانية ، شديدة الخطر والضرر!
أمّا اليوم ، فتصنيع قياداتهم ، معقّد ، تدخل فيه عوامل كثيرة ، منها : الحماسة والجهل، عند الشباب ، ومنها : الظلم ، الذي يُعدّ مسوّغا أساسياً ، لخروجهم ! وأهمّها : عبث الأجهزة الاستخبارية، المحلّية والإقليمة والدولية ، بهم ، وتوظيف ماهومصنّع منهم ..وتصنيعُ فصائل خاصّة ،( ماركات مسجّلة ) !
وما الذي يحتاجه ، تصنيع فرقة من الخوارج ، اليوم : تصنيع قيادات ، مرتبطة بأجهزة الأمن ، تستطيع استقطاب عناصر، من الشباب ، لايملكون سوى عنصرين أساسيين ، هما : الحماسة والجهل ! وهذان العنصران ، كافيان ، لدى أيّ ضابط استخبارات محترف ! فهو يبني ، عليهما، شخصية المناضل ، ويَصنع لها ، الهيئة المناسبة ، من : لباس أفغاني ، ولحية ، ولثام ، وشعاربرّاق ! ولا بأس ، بحفظ بعض الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية ، ولوبشكل مغلوط، أومشوّه ! ثمّ ، فوق ذلك ، حفنة من الدولارات ، تقلّ وتكثر ، حسب موقع الشخص ، في الفصيل، ومواهبه، في تمثيل دور المجاهد البطل ، وقدرته :على تكفير أكبر عدد ، من المسلمين ، وعلى قتل الناس ، جماعات وأفراداً، بجرأة غريبة ، يرتعش منها ، جسدُ أيّ إنسان عاقل ، حتى لو كان وثنياً ، لم يعرف الله ، ولا أيّ كتاب ، من كتبه المنزلة ، على عباده !
ولا بدّ من التأكيد ( بالطبع ) بأنّ أكثر شباب هذه الفرق ، هم من المخلصين ، الذين استُدرِجوا، عبر العنصرين الأساسيين : الحماسة والجهل !
أجهزة الاستخبارات ، في بلادنا ، كلّها ، باتت متمرّسة ، بهذا النوع ، من الصناعات ، وفي مقدّمتها : أجهزة الاستخبارات السورية !
أمّا أجهزة الاستخبارات : الأمريكية ، والصفوية ، والبريطانية .. والأجهزة التابعة لها ، في دولنا العربية ، فقد قطعت أشواطاً ، في هذا النوع من الصناعات ، التي تدمّر بها : الدول ، والشعوب، والعقائد ، والأخلاق ، ونفسيات البشر.. لا لجيل واحد ، فحسب ، بل ؛ لأجيال عدّة، لاحقة !
والكُرة - كما يقول الرياضيون - في مرمى قيادات الحركات الإسلامية ، المخلصة الواعية ، ومعها: قادةُ الفكر الإسلامي ، والفقه الإسلامي ، في سائر مؤسّساتهما : العلمية ، والثقافية ، والإعلامية ..! لأنّ القضية ، لاتخصّ جهة واحدة ، بعينها ، بل ، تشمل الأمّة ، كلّها ، بسائر فئاتها ، وأجيالها !
وإذا نامت النخبُ ، الواعية المخلصة ، عن أخطارحمَلة الشعارات الدينية المتطرفة ، هؤلاء ، كما نامت، عن أخطار المجرمين ، حملة الشعارات القومية والعلمانية المتطرفة ،الذين دمّروا الأمّة، بالمتاجرة بها .. فلا يلوموا ، إلاّ أنفسهم ، في الدنيا والآخرة ؛ فهم يحملون أوزارهم ، وأوزار مَن يلوذ بهم ، ويثق بهم ، ويسلمهم زمام القيادة والتوجيه ، في مجتمعاتهم !
وكلّ نفس بما كسبت رهينة !
وسوم: العدد 784