الرئيس التركي أردوغان يواجه محاولة انقلاب مالي بعد نجاته من محاولة انقلاب عسكري
لا زال الكثير منا لا يفهمون ما الذي يقصده الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية بعبارة : " محاربة الإسلام السياسي " إنه لا يعني كما يريدون إيهامنا تلك الجماعات التي تمارس الإرهاب أو الإجرام باسم الإسلام ، وإنما هي الأحزاب السياسية ذات التوجه أو المرجعية الإسلامية والتي اختارت أن تخوض التجربة الديمقراطية على الطريقة الغربية ،لكن الغرب الذي ينصب نفسه مدافعا عن الديمقراطية لم يقبل منها ذلك بسبب مرجعيتها الدينية التي يرى أنها تهدد علمانيته التي لها الحق وحدها في الوصول إلى مراكز صنع القرار عن طريق اللعبة الديمقراطية . ويزعم الغرب أن الأحزاب ذات التوجه الإسلامي إنما تحتال للوصول إلى مراكز صنع القرار لتستبد بها عبر هذه اللعبة التي تصير مهددة في حد ذاتها . ولا يثق الغرب بتاتا في هذه الأحزاب لهذا أعلن حربا عليها، فأعد لها مؤامرة خبيثة حيث صنعت أجهزة مخابراته عصابات إجرامية بثت في بؤر التوتر في العالم العربي خصوصا في منطقة الشرق الأوسط حيث أشعلت حروبا طائفية لتلعب تلك العصابات دورا أنيط بها وهو تشويه الدين الإسلامي عن طريق سفك الدماء باسمه لينتقل بقدرة قادر وصفها إلى الأحزاب ذات التوجه الإسلامي وينسحب عليها ، وتحشر معها في خانة واحدة ويبرر الإجهاز عليها تحت ذريعة محاربة الإسلام السياسي ، وذلك لإثبات أن الذين يتخذون الدين الإسلامي مرجعية ليس من حقهم ممارسة السياسة والوصول إلى سدة الحكم .
وتحت مسمى محاربة الإسلامي السياسي حشرت حركات المقاومة الفلسطينية ذات التوجه الإسلامي في خانة العصابات الإجرامية الممارسة للإجرام والإرهاب المصنوعة مخابراتيا من طرف الغرب ، وهكذا وجد الكيان الصهيوني المحتل في محاربة الإسلام السياسي ذريعة لضرب تلك الحركات التي تقاوم احتلاله ، ولتأنيب الغرب عليها ليضعها على لائحة الإرهاب والإجرام مع أنها في نظر القانون الدولي حركات مقاومة تناضل، وتحمل السلاح ،وتقاتل من أجل تحرير وطنها المحتل ، ولا يمكن تشبيهها بعصابات إجرامية لا تقاتل من أجل وطن محتل، بل أعدت خصيصا لممارسة الإجرام لذاته .
وتحت مسمى محاربة الإسلام السياسي تم التخطيط للانقلاب العسكري على الشرعية والديمقراطية في مصر التي فاز فيها حزب الحرية والعدالة ذو التوجه الإسلامي ، والمحسوب على جماعة الإخوان المسلمين عن طريق اللعبة الديمقراطية عقب ثورة ربيع مصر التي أطاحت بنظام حسني مبارك ، وهو نظام كان يعبث باللعبة الديمقراطية، ويركبها لتكريس نظام استبدادي فاسد جاثم على صدر الشعب المصري لعقود . ولقد تورط الغرب بشكل فاضح في محاولة الانقلاب العسكري الدموي في مصر ، كما تورطت فيه أنظمة عربية مولته لمواجهة حركات وثورات الربيع العربي وحماية نفسها من الزوال والسقوط . ولقد كان تورط الغرب في محاولة الانقلاب جليا لأنه لأول مرة لا يحرك ساكنا حين يتم الإجهاز على التجربة الديمقراطية التي يدعي أنه يدافع عنها في كل أرجاء العالم إلا أن هذه التجربة حين أوصلت حزبا ذا توجه إسلامي إلى مركز صنع القرار لم تعد لديها عنده مصداقية ، وأجاز الانقلاب العسكري عليها بل رفع شعار الحرب على كل من يصنفه في دائرة أو خانة ما يسميه بالإسلام السياسي .
وتحت هذا المسمى أيضا تم التآمر على أحزاب سياسية أخرى أعلنت توجهها أو مرجعيتها الإسلامية ، والتي تعرضت لضغوطات لتقاسم نتائجها الانتخابية مع أحزاب ذات توجهات أو مرجعيات أخرى ، ثم تعرضت بعد ذلك لتشويهات للتشكيك في قدرتها على التسيير والتدبير ، ولزعزعة الثقة فيها ممن صوتوا عليها، وذلك عن طريق نسبة الإخفاق إليها ،علما بأنها جاءت عقب حراكات وثورات الربيع العربي التي كان سببها وصول البلاد العربية إلى طرق مسدودة بسب الأوضاع السياسية والاقتصادية السيئة والتي كان وراءها فساد الأنظمة .
وتحت هذا المسمى أيضا تم الإجهاز على كل جهة كانت تنوي إنشاء أحزاب ذات توجه أو مرجعية إسلامية على غرار التجربة التركية أو التجارب العربية الأخرى حيث أجهضت في مهدها في خضم الحراكات والثورات قبل أن تظهر أو تكتمل ، وتم تحويل تلك الحراكات والثورات إلى حروب طائفية وزرعت فيها العصابات الإجرامية المصنوعة مخابراتيا لتشويه الإسلام ، وتشويه كل جهة تتخذه توجها أو مرجعية .
وتحت هذا المسمى أيضا تم تدبير الانقلاب العسكري الفاشل ضد حزب العدالة والتنمية التركي ليلقى نفس مصير حزب الحرية والعدالة المصري لكن يقظة الشعب التركي أفشلته ،لأن هذا الشعب جنى ثمار تسيير وتدبير هذا الحزب الذي قطع به أشواطا كبرى في مجال التقدم والتطور ، وكان من الصعب تأليب الجهات المخططة للانقلاب الشعب عليه كما حصل في مصر التي كانت الأوضاع الاقتصادية فيها مزرية للغاية بسبب عقود من الفساد السياسي ، وسهل بذلك تأليب الشعب المصري على حزب الحرية والعدالة بتحميله مسؤولية تردي الأوضاع ،لأنه لما يجن من تجربته الديمقراطية الفتية ما جناه الشعب التركي من تجربته .
وتحت نفس المسمى يتعرض اليوم حزب العدالة والتنمية التركي لانقلاب مالي هوى بعملته إلى الحضيض بشكل غير مسبوق عن طريق مؤامرة غربية أمريكية مكشوفة للإطاحة به ، ولإقناع الشعب التركي بنزع الثقة منه ، وذلك بالرهان على أن إسقاط نظام أردوغان الذي لم يتم عن طريق انقلاب عسكري يمكن إسقاطه عن طريق انقلاب مالي واقتصادي .
فهل سينجح أردوغان وحزبه في الصمود أمام هذا الانقلاب المكشوف أم أنه سينهار ؟ وهل سيكون الشعب التركي في المستوى كما كان خلال الانقلاب العسكري فيلتف حول رئيسه أم أنه ستنطلي عليه حيلة الغرب والولايات المتحدة وإسرائيل ؟ ذلك ما ستكشف عنه الأيام المقبلة .
وهل ستقتنع الشعوب العربية والإسلامية بأن ما يقصده الغرب بزعامة الولايات المتحدة بمحاربة الإسلام السياسي إنما هو منع وصول الأحزاب السياسية ذات التوجه الإسلامي إلى مراكز صنع القرار عن طريق المشاركة في اللعبة الديمقراطية والفوز فيها ؟
وسوم: العدد 785