من قتل 8 آلاف معتقل في المسالخ السورية؟!
بينما كانت روسيا عرّابة وأد الثورة السورية، تتحدث عن إعادة اللاجئين السوريين غصباً إلى المسالخ الطائفية، تماماً كما تم تشريدهم وتهجيرهم غصباً عن إرادتهم، كان النظام السوري يرسل رسائله التي أتقنها على مدى نصف قرن معمّدة بالدم والتعذيب والإذلال، فكشف عن وفاة 8 آلاف معتقل في مسالخه بحسب توصيف منظمات حقوقية دولية، لتكون بذلك رسالة إلى كل السوريين أن مصيركم هو المصير ذاته، ولم يدع مدير المخابرات الجوية اللواء جميل الحسن -مجرم الحرب الحقيقية- الباب موارباً، فكشف عن طبيعة تفكيره الذي لم يحِد عنه لعقود، وهو الذي تباهى منذ اليوم الأول للثورة، بأنه على استعداد لقتل مليون سوري، ليذهب بعدها إلى محكمة الجنايات الدولية متحملاً مسؤولية قتلهم لوحده، واليوم يزيد عليهم 20 ضعفاً، فيقول إن 10 ملايين مطيع للقيادة أفضل من 30 مليون مخرّب.
لم يكن نظام الأسد ولا سدنته المحتلون وحدهم، هم من قتل هؤلاء، ولا من قتل أصحاب الصور التي سرّبها القيصر، والتي تضمنت 55 ألف صورة لـ 11 ألف معتقل فُقئت عيونهم، وجُدعت أنوفهم، وقُطعت آذانهم وبيعت أعضاؤهم، إن من قتل هؤلاء هو من صمت منذ اليوم الأول على أمثال جميل الحسن، بل هو من صمت على مجازر المقبور حافظ الأسد في الثمانينيات، إنه العالم الذي ظل يتعامل معه على أنه نظام شرعي، ويتعامل مع الشعب السوري على أنه عبد آبق من سيده، بل وظل العالم المجرم يدعمه في كل المحافل، ولا يزال حتى اليوم يقف في وجه إرادة شعب، ذنبه الذي اقترفه أنه طالب بالحرية وبانتخابات حرة، أسوة بالعالم المتمدن الحر.
رحل عنا مليون شهيد، واليوم يرحل عنا معتقلونا الذين يقارب عددهم الربع مليون معتقل، لكن لا يحق لأهلهم أن يعرفوا أحوالهم، وهم بالأصل وبالعرف القانوني مختطفون، كونهم لم يُعتقلوا بموجب أوامر قضائية غائبة عن جمهورية العبيد، منذ وصول العصابة الطائفية إلى السلطة قبل نصف قرن تقريباً، رُحلوا على الطريقة الطائفية، لم يتسلم أهلهم جثثهم، ولم يتعرفوا على قبورهم، ولم يحق لنا توديعهم بما يليق بهم، ولا الصلاة عليهم، إنهم يخافونهم أمواتاً كما خافوهم أحياء، لا يريدون أن يبقى لهم أثر للأجيال المقبلة، وهي السُّنة الطائفية التي سنّها المقبور حافظ، الذي لم يكن يسلّم جثث الشهداء لأهلهم، فرحل 30 ألف شهيد معتقل في سجن تدمر على مدى 3 عقود دون أن يُعلم قبرٌ لأحدهم، لكن إلهامهم ليس بحجارة قبورهم، وإنما بذكراهم وبصمودهم الذي سترويه الأجيال للأجيال، والأجداد للأحفاد، ليكبر حقد الأجيال على قاتلها وجلادها.
رحلوا، لكن ظل هاتف صوتهم يصمّ آذاننا وسيظل، بألا تصالح، ألا تفاوض القتلة، ألا تمنحهم الشرعية، فأي تفاوض أو تصالح هو بمثابة اعتذار من الضحية للقاتل، وهو منح لشرعية قتل مؤجّلة وربما معجّلة، هو تجريم للشهيد وتبرئة لقاتله، فهذا النظام استمرأ القتل، والأكسجين الذي يتنفسه منذ نصف قرن هو القتل والتعذيب، وخنقه وقتله يكون بتوقفه عن القتل والتعذيب.
«لا تصالح» هو شعار المرحلة وكل المراحل حتى ترحل هذه العصابة الطائفية، فكيف بمن يدعو إلى العودة إلى المسلخ الطائفي، ونحن نرى هتك العصابة الطائفية وسدنتها المحتلين لكل الاتفاقيات التي أبرموها مع ضفادع الثورة، إن كان في الغوطة وحمص ودرعا أم غيرها، فلم يتوقف القتل ولا المداهمات والاعتقالات حتى مع من تصالح مع العصابة الطائفية.
من قتلنا على مدى سنوات لم يكن بشاراً ولا زمرته وسدنته المحتلين، من قتلنا هو ما يُسمى بالعالم الحر، الذي شارك وتواطأ وصمت على ذلك ولا يزال، بل ويدفعنا إلى العودة للعبودية الأسدية، لكن هذا كله مستحيل تحقيقه، فمن يدعو إلى ذلك لا يعلم مسيرة التاريخ .
وسوم: العدد 785