لقد آن الأوان لضبط قطاع التعليم العالي في بلادنا بجهاز مراقبة
لقد آن الأوان لضبط قطاع التعليم العالي في بلادنا بجهاز مراقبة على غرار جهاز المراقبة في التعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي والتأهيلي
لقد دقت ناقوس الخطر حادثة الاتجار بشواهد التعليم العالي التي كشف عنها شريط صوتي تناولته وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع ، وخلف استياء كبيرا لدى الرأي العام الوطني ، وأساء إساءة كبرى إلى سمعة قطاع التعليم العالي خصوصا ، وإلى سمعة الوطن عموما ، فضلا عن إشاعة الخوف واليأس بين أوساط الشباب الجامعي بسبب فقدان الثقة في نزاهة الشواهد العلمية التي تسلمها مؤسسات التعاليم العالي .
ومن المعلوم أن غياب جهاز مراقبة في قطاع التعليم العالي هو السبب الرئيس في اختلال منظومة هذا التعليم الذي لا تخضع أطره للمراقبة والمحاسبة والتقويم الشيء الذي يفسح المجال واسعا لغياب الموضوعية والنزاهة والضمير المهني المسؤول وبالتالي ضياع مصالح الطلبة وضياع مستقبلهم .
وكثيرة هي القصص والحكايات التي تروى في أوساط الطلبة عما يعانيه بعضهم من ظلم صارخ يتعرضون له من طرف بعض الأساتذة ويتراوح بين حرمانه من نقطهم وعلاماتهم المستحقة ، أو حرمانه من مواصلة دراستهم في سلك الماستر أو الدكتوراه ، أو تعطيل مناقشة أطروحاتهم ، أو التضييق عليهم ليبلغ بهم اليأس حد الانقطاع عن الدراسة أو التسرب ... ولا تخلو تلك الأحاديث من حكايات الاستغلال الجنسي بالنسبة للطالبات على غرار ما حدث في إحدى الجامعات بعد كشفت إحدى الضحايا عما تعرضت له من استغلال جنسي هي وغيرها ، وقد تداولت وسائل الإعلام يومئذ الخبر الذي خلف استياء كبيرا لدى الرأي العام الوطني ، وقد بلغ الأمر حد مسارعة بعض الأساتذة عقد القران على ضحاياهم حين بدأ التحقيق مع بعضهم ، وساروا موضوع تندر وسخرية لدى الرأي العام .
ومعلوم أنه إذا ثبتت أن المساومة وقعت في الأعراض مقابل النجاح والحصول على الشواهد فمن غير المستبعد أن تقع من أجل الحصول على المال مقابل ذلك ، وأن تقع لأسباب أخرى أيضا.
وإن هذا الذي وقع مؤخرا والذي وقع من قبل ، والذي يحكى ويتداول بين أوساط الطلبة وأولياء أمورهم ليدعو إلى إخضاع قطاع التعليم إلى مراقبة ، وأن تنتهي حكاية إصرار أطر التعليم العالي على رفض الخضوع للمراقبة استعلاء وكبرياء وكأنهم مخلوقات منزهة لا يأتيها باطل من بين يديها ولا من خلفها .
ولا بد من إنشاء مركز وطني لتكوين مفتشي أو مراقبي قطاع التعليم العالي على غرار مركز تكوين مفتشي التعليم الابتدائي والثانوي يلجه أطر التعاليم العالي بعد مباراة كتابية لتقويم أرصدتهم المعرفية في مجال تخصصهم ، ومقابلة أمام لجان علمية ذات كفاءة عالية من داخل وخارج الوطن . ولا بد من تكوين لمدة زمنية كافية قد تصل إلى حولين كاملين لتعميق تخصصهم ، وتكوينهم على المراقبة والتأطير والتقويم وما يقتضيه ذلك من الإلمام بمختلف المعارف الضرورية من علوم التربية، وعلم النفس، والقانون ، و علم التقويم ... وغير ذلك مما يعتبر ضروريا للقيام بمهمة المراقبة والتأطير . ويجب أن تسند للمراقبين في هذا القطاع مهام تحديد المناهج والبرامج والمقررات وأساليب التقويم ، وأن تسند إليهم مهام إعداد مواضيع الامتحانات ، والإشراف على مراقبتها ، وعلى عمليات التصحيح ، وعلى عمليات المداولة ، وعلى عمليات إعادة التصحيح في حال وقوع تظلمات ، فضلا عن مراقبة عمليات ولوج أسلاك الماستر والدكتوراه ، ومراقبة المواعيد المحددة لمناقشة الأطروحات ، وعملية افتحاص الأطرحات قبل مناقشتها لمنع أي شكل من أشكال الزبونية أو المحسوبية أو المتاجرة بالشواهد ، إلى جانب مراقبة عملية التوظيف في قطاع التعاليم العالي التي تدور حولها الكثير من الشكوك في نزاهتها ومصداقيتها . ولا بد من تتبع جهاز المراقبة لعملية البحث والتأليف لدى الأطر الجامعية وتقويمها ، وربط ذلك بالتعاقد بحيث لا يمكن أن يسمح للأطر التي لا تبحث ولا تنتج باحتلال مناصب غير مستحقة علما بأن بعضها لا يزيد مجهودها عن مناقشة الأطروحات ثم تركن بعد ذلك إلى الخمول والكسل ،واجترار مقررات أكل عليها الدهر وشرب كما يقال ، وهي مقابل ذلك تمارس كل أشكال التعسف والاستبداد على الطلبة ، وويل لمن انتقدها أو صدر منه مجرد إشارة إلى ذلك لأنها تحيط نفسها بهالة كاذبة من العلم والمعرفة والخبرة للتمويه على حقيقة مستوياتها العلمية والمعرفية .
ولا بد كذلك من مراقبة ما يفتحه بعض أطر التعليم العالي من مسالك قصد الاطلاع على مردوديتها إذ لا يعقل أن تظل بعض تلك المسالك مفتوحة وهي تخرج جيوشا من العاطلين الشيء الذي يعتبر هدرا للإمكانات والموارد المادية والبشرية لهذا الوطن .
وفي الأخير أعلم علم اليقين أن بعض أطر التعليم العالي من الذين يرفضون النزول من أبراجهم العاجية والتخلي عن كبريائهم وغرورهم لن يعجبهم هذا المقال ولن يرضوا بالخضوع للمراقبة والتفتيش والتقويم والمحاسبة مع أنهم يطالبون بمحاسبة الحكومات والوزارات ، وكبار المسؤولين ولكنهم يستثنون أنفسهم من تلك المحاسبة ، ويعتبرون أنفسهم فوق المحاسبة والمساءلة وكأنهم معصومون عصمة الرسل والأنبياء ، فهؤلاء بموقفهم هذا يجعلون الشك يحوم حول نزاهتهم وموضوعيتهم ومصداقيتهم . وأنا على يقين من أن فئة منهم سيعجبها هذا المقال لأنها على ثقة من كفاءتها ولا يضيرها وجود مراقبة أو محاسبة بل تفضل ذلك ليرى الله عز وجل عملها ورسوله والمؤمنون .
ولا بد للحكومة والوزارة الوصية على قطاع التعليم العالي أن تتدارك أمر هذا التعليم بعد هذه الفضيحة المدوية التي ابتذلت سمعة الشواهد العلمية ليس فقط عن طريق المتابعة القانونية بل عن طريق مراجعة قوانين التعليم العالي بما في ذلك إخضاعه للمراقبة عن طريق جهاز مراقبة عتيد صيانة لسمعة هذا التعليم ومصداقيته و صيانة لسمعة هذا الوطن الغالي .
وسوم: العدد 786