لا تفصًل الشريعة على مقاسك

تتمثل الشريعة الإسلامية في نصوص منضبطة في قواعد ثبوتها وقواعد دلالتها . وهي مع انضباطها ليست حدّية كما يصورها البعض ؛ بل هي رحبة سمحة ميسرة مرنة في كثير من أحكامها .

الموقف الشرعي في عمومياته رحب واسع والمحرمات الحدية استوعبها القرآن الكريم بمثل هذا التعبير : قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ ..

ثم عدد أنواعا محدودة من المطعومات ...

وما تقوله في المطعومات تقوله فيما سواها من الأحكام حتى ليقول بعض الفقهاء المعتمدين إن الأحكام المقدرة لا تشكل إلا عشرة بالمائة من جملة أحكام الشريعة بما فيها أحكام الأحوال الشخصية .

وما عدا هذه الأحكام هناك جملة من القواعد الشرعية تسمح للفقهاء والمشرعين البناء عليها ، كما تسمح للأفراد أن يحددوا التزامهم الأولي على أساسها .

القرآن الكريم فتح فسحة واسعة للملتزمين بشريعته؛ فبين أن فيهم ومنهم سابقا ومقتصدا وظالما لنفسه .

ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ "

وداخل كل نمط من هذه الأنماط أنماط وأنماط، وتفاوت ودرجات .

الأنموذج والأسوة والقدوة الذي يمثل كامل الموقف الشرعي بشخصه وسلوكه هو سيدنا محمد رسول الله . هو البحر ويغترف أتباعه من بحره كلٌ بقدر طاقته .

المهم في هذه الرسالة أن لا يظن أحدنا أن بوسعه أن يحل محل القدوة فيقدم نفسه أنموذجا للشريعة في أي مقام ..

حسب الشريعة من حقك أن تختار في بحبوحتها ؛ ولكن ليس من حقك أن تفرض اختيارك على الآخرين ، ولا أن تعايرهم بمعاييرك . المعيار الشرعي المطلق يعاير الجميع.

من حقك أن تكون قويا من السابقين وان تدعو الناس إلى القوة وليس من حقك أن تفرض طريقتك على الناس .

ومن حقك أن تختار في بحبوحة الموقف الشرعي الموقف الذي تريد وأن تسلك ضمن هذه البحبوحة الطريقة التي تريد وليس من حقك أن تأطر الناس على طريقتك ؛ ولا أن تشنع عليهم طريقتهم إن خالفوك ماداموا في بحبوحة الخيار الشرعي.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 786