الاستبداد بين القبول والممارسة

يتصور بعض الناس أن الاستبداد الذي تعاني من إثمه الأمة منذ قرون شخصا يقبع في قصر الحاكم ، أو يتدثر في ثيابه ..

الحقيقة العلمية الواقعية هي أن الاستبداد بلوى عامة تصيب المجتمعات بحكامها ومحكوميها طبقا عن طبق وفِي كل مناحي الحياة العامة والخاصة .

ليست الشورى الحقيقة ولا الشكلية هي نقيضة الاستبداد فقط ، بل نقيض الاستبداد الحقيقي هو نوع من السماحة التي لا تحتكر الحقيقية ، والتي تتصور دائماً أن بلوغ قمة الجبل يمكن ان تتم بسلوك أي شعب من شعابه . وأن لكل مرتق مرتقاه الأسهل عليه والأقرب إلى طبيعته . الجادون المثابرون المضحون كلهم يبلغون القمة ويلتقون عليها أيضا فليكفوا عن التنديد ببعضهم .

نتذكر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من كان يُؤْمِن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة" ثم يصوّب من صلى قبلا ومن صلى بعدا ..

نتذكره في حجه الأخير يوسع على الناس فيمن قدم وأخر يقول الصحابي راوي الحديث " فما سئل عن شيء إلا قال افعل ولا حرج "

كلمات مثل الشريعة " ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا " أو المنهاج " لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا " أو الجادة أو السبيل كلها تعني الشوارع الواسعة العريضة وليس الدروب الضيقة ، في الشوارع العريضة يمكن للناس أن يقصدوا وجهتهم في صفوف أفقية وليس بالضرورة مترادفين آخرهم على قدم أولهم وقوع الحافر على الحافر.

من الاستبداد الشائع أن بعض الناس ينصب لغيره خرم إبرة " سم خياط " إن لم تعبر من هنا فلست مسلما

الاستبداد في حياتنا العامة آخذ بعضه بعناق بعض، وهو متأصل في كثير من النفوس في الأسرة يستبد الأب ببنيه والزوج بزوجه أو العكس تستبد هي به فيهجر أباه وأمه من أجلها. في المدرسة يستبد الأستاذ بالتلاميذ، في المسجد يستبد المدرس بطالبي الحق ، في الدائرة يستبد المدير بالموظفين ، في مجموعاتنا على الواتس يستبد بَعضُنَا ببعض . في مجتمع الاستبداد يتجسد تأويل قوله تعالى " وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ " بمعنى أن الكثيرين من ضحايا الاستبداد هم من عتاة المستبدين .

وكذا الناس مبغي عليه وظالم

عندما قال الإمام البنّا رحمه الله في تراتبية ظاهرة : الفرد - الأسرة - المجتمع - الدولة ..

فقد كان هذا الرباني يعي ما يقول ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 787