الحق في المياه في ضوء القانون الدولي لحقوق الإنسان
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
إن الماء مورد طبيعي محدود، وسلعة عامة أساسية للحياة والصحة. وحق الإنسان في الماء هو حق لا يمكن الاستغناء عنه للعيش عيشة كريمة. وهو شرط مسبق لإعمال حقوق الإنسان الأخرى. وحق الإنسان في الماء يمنح كل فرد الحق في الحصول على كمية من الماء تكون كافية ومأمونة ومقبولة، ويمكن الحصول عليها مادياً كما تكون ميسورة التكلفة لاستخدامها في الأغراض الشخصية والمنزلية. فتوفير كمية كافية من الماء المأمون هو أمر ضروري لمنع الوفاة، بسبب فقدان جسم الإنسان للسوائل، والحد من مخاطر الإصابة بأمراض منقولة بالمياه، كما أنه ضروري للاستهلاك والطهي والمتطلبات الصحية الشخصية والمنزلية.
حيث تفيد منظمة الصحة العالمية بأن الشخص يحتاج إلى كمية تتراوح بين ٥٠ لتراً و١٠٠ لتر في اليوم لضمان الوفـاء باحتياجاته الأساسية، ولتجنب نشوء الكثير من المخاوف الصحية. ويمثل الحصول على كميـة قدرها من ٢٠-٢٥ لتراً للشخص في اليوم حدا أدنى، ولكن هذه الكمية تثير بعض الشواغل.
ولكن ليست مشكلة الحصول على المياه الصالحة للاستهلاك البشري، مشكلة تتعلق بدولة دون دولة، ولا منطقة دون منطقة، ولا مجموعة دون أخرى، بل هي مشكلة عامة وعالمية تكاد أن تطال جميع الدول والمناطق والجماعات والأفراد إلى حد ما، وفي أوقات مختلفة. فبحسب إحصاءات الصحة العالمية (لا يستطيع أكثر من بليون شخص الحصول على الإمدادات الأساسية للمياه، بينما لا تتوفر لعدة بلايين من الأشخاص مرافق صحية مناسبة، وذلك هو السبب الأول لتلوث المياه والإصابة بأمراض منقولة بالمياه، ويؤدي استمرار تلوث المياه واستنفادها وتوزيعها بصورة غير عادلة إلى تفاقم الفقر السائد) ويمكن تتبع جذور الأزمة الحالية في المياه والصرف الصحي إلى الفقر وانعدام المساواة، وعلاقات القوى غير المتكافئة، وتـزداد هذه الأزمة تفاقما بفعل التحديات الاجتماعية والبيئية كتسارع التحضر، وتغير المناخ والتلوث المتزايد، واستنفاد الموارد المائية.
وقد أدرك المجتمع الدولي بصفة متزايدة أنه، في سبيل التصدي لهذه الأزمة، لا بد من النظر في إمكانيات الحصول على مياه الشرب المأمونة، وخدمات الصرف الصحي ضمن إطار يقوم على حقوق الإنسان. وبناء عليه، وفي عام ٢٠٠٢، اعتمدت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيـة التابعة للأمم المتحدة تعليقها العام رقم (١٥ ) بشأن الحق في المياه، الذي تعرّفه بأنه حق كل فرد في (الحصول على كمية من الماء تكون كافية ومأمونة ومقبولة، ويمكن الحصول عليها ماديـاً وميسورة مالياً لاستخدامها في الأغراض الشخصية والمنزلية)، وفي عام ٢٠٠٨، استحدث مجلس حقوق الإنسان ولاية (الخبير المستقل المعني بمسألة التزامات حقوق الإنسان المتعلقة بالحصول على مياه الـشرب المأمونـة وخدمات الصرف الصحي) ليساعد على توضيح نطاق هذه الالتزامات ومضمونها.
وقد تزايد الاعتراف كذلك في المعاهدات الرئيسية لحقوق الإنسان بالتزامات محـددة فيما يتعلق بإمكانيات الحصول على مياه الشرب المأمونة ومرافق الصرف الـصحي، وذلـك بصفة رئيسية كجزء من الحق في مستوى معيشة ملائم والحق في الصحة.
كما توفر عدة دساتير وطنية الحماية للحق في المياه أو تنص على المسؤولية العامة للدولـة عن ضمان سبل الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الـصحي للجميع، وكذلك فصلت بعض المحاكم التي تنتمي لنظم قانونية مختلفة في قضايا متعلقة بالتمتع بالحق في المياه، فتناولت مسائل مثل تلوث موارد المياه، أو قطعها بصورة عـشوائية وغـير قانونيـة، أو عدم توافر إمكانية الوصول إلى الصرف الصحي.
ورغم عدم الاعتراف بالمياه صراحة كحق مستقل من حقوق الإنسان في المعاهـدات الدولية، فإن القانون الدولي لحقوق الإنسان تترتب عليه التزامات محددة فيما يتعلـق بـسبل الحصول على مياه الشرب المأمونة. وتقتضي هذه الالتزامات من الدول أن تكفل لكل شخص إمكانية الحصول على كمية كافية من مياه الشرب المأمونة للاستخدامات الشخصية والمنزلية، التي يُقصد بها استعمال المياه لأغراض الشرب، والصحة الشخصية، وغسل الملابس، وإعـداد الطعام، والنظافة الصحية الشخصية والمنزلية. وتقتضي هذه الالتزامات أيضاً مـن الـدول أن تكفل تدريجياً سبل الوصول إلى الصرف الصحي الملائم، بوصفه عنـصراً أساسـياً لكرامـة الإنسان وخصوصيته، على أن تحمي أيضاً نوعية إمدادات مياه الشرب ومواردها.
والحق في المياه الذي يدعو له المجتمع الدولي يتضمن ما يأتي:
1- إن الحق في المياه يتضمن حريات: وتشمل هذه الحريات الحماية من الانقطاعات العشوائية وغير القانونية؛ وحظر التلويث غير المشروع للموارد المائية؛ وعدم التمييز في الحـصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي، ولا سيما علـى أسـاس حالـة الأرض أو السكن؛ وعدم إعاقة سبل الوصول إلى الإمدادات الموجودة من المياه، وخاصة إلى مصادر المياه التقليدية؛ وضمان عدم تعرض الأمن الشخصي للتهديد عنـد محاولـة الوصول إلى المياه أو مرافق الصرف الصحي خارج المنزل.
2- إن الحق في المياه يتضمن استحقاقات: وتشمل هذه الاستحقاقات الحصول على حد أدنى من كميات مياه الشرب المأمونة للحفاظ على الحياة والصحة؛ والحصول على مياه الـشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي في أماكن الاحتجاز؛ والمشاركة في اتخـاذ القـرارات المرتبطة بالمياه والصرف الصحي على الصعيد الوطني وصعيد المجتمعات المحلية. أي يجب أن تكون إمدادات المياه لكل شخص كافية ومستمرة لتغطيـة الاسـتخدامات الشخصية والمنزلية، التي تشمل المياه لأغراض الشرب، وغسل الملابس، وإعداد الطعام، والنظافة الصحية الشخصية والمنزلية. أما الاسـتخدامات المنزلية الأخـرى للميـاه، كاستخدام المياه لحمامات السباحة أو البستنة، فلا تدخل ضمن نطاق الحق في المياه.
3- أن تكون المياه المستخدمة في الأغراض الشخصية والمنزلية مأمونـة ومقبولـة: فوفقاً للتعليق العام رقم (١٥) يجب أن تكون خالية مـن الكائنـات الدقيقـة، والمـواد الكيميائية والمخاطر الإشعاعية التي تشكل تهديدا لصحة الشخص. وفضلاً عن ذلك، ينبغي أن يكون الماء مقبولاً من حيث اللون والرائحة والطعم ضماناً كي لا يلجأ الـشخص إلى بدائل ملوثة قد تبدو أكثر جاذبية. وتنطبق هذه الشروط على جميع مصادر توفير المياه، بما في ذلك مياه الأنابيب والصهاريج والمياه التي يوفرها الباعة والآبار المشمولة بالحماية.
وتعرّف سلامة مياه الشرب عادة من خلال معايير وطنية و /أو محلية لنوعيـة ميـاه الشرب. وتوفر المبادئ التوجيهية لنوعية مياه الشرب الصادرة عن منظمة الـصحة العالميـة أساسا لإعداد المعايير الوطنية التي من شأنها أن تكفل، في حال تطبيقها بالـشكل الـسليم سلامة مياه الشرب.
4- تأمين الوصول المادي إلى مرافق المياه والصرف الصحي: ويجب أن تكون تلـك المرافق على مسافة مأمونة في متناول جميع القطاعات السكانية، مع أخـذ احتياجـات الفئات الخاصة بعين الاعتبار، ومنها المعوقون والنساء والأطفال والمسنون. مع أن الحق في المياه لا يعني حصول الجميع على المياه ومرافق الصرف الـصحي في منازلهم، فهو يقتضي أن تكون هذه المرافق بالقرب من كل منزل أو على مسافة معقولة منـه.
وينبغي أيضاً توفير المياه والصرف الصحي في المدارس والمستشفيات، وفي أماكن العمـل، وفي مراكز الاحتجاز، كما ينبغي توفيرها في مخيمات اللاجئين والمشردين داخلياً. وفي تقرير التنمية البشرية لعام ٢٠٠٦ أن إمداد الأسرة المعيشية المنتظم بالمياه النقية عن طريـق الأنابيب هو النوع الأمثل لتوفيرها لأغراض التنمية البشرية. كما أن الحصول علـى كميـة منتظمة من المياه داخل المنزل يزيل ضرورة أن تقضي النساء والأطفال الوقت، وأن يـستنفدوا الجهد البدني في جلب المياه من مصادر بعيدة.
5- أن تكون تكلفة خدمات المياه في متناول الجميع: فلا ينبغي أن يحرم أي فـرد أو جماعة من الحصول على مياه الشرب المأمونة بسبب العجز عن دفع تكلفتها. وبناءً على ذلك، ينبغي ألا تحول جميع التكاليف المباشرة وغير المباشرة المرتبطـة بالميـاه والصرف الصحي دون حصول أي شخص على هذه الخدمات وألا تضر بقدرته على التمتـع بحقوق الإنسان الأخرى، كالحق في الغذاء أو التعليم أو السكن اللائق أو الـصحة. ومتطلبـات تحمّل التكاليف المعقولة تبين أن استرداد التكلفة لا ينبغي أن يصبح عائقاً دون الحصول على مياه الشرب المأمونة والصرف الصحي، ولا سيما بالنسبة للفقراء. وعلى سبيل المثال، يقترح البرنامج الإنمائي أن يكون المعيار في هذا الصدد نسبة ٣ في المائة من دخل الأسرة المعيشية.
وفي ضوء ذلك، تنقسم التزامات الدول وبحسب الأمم المتحدة إلى ثلاثة أنواع من الالتزامات، وهي على وجه التحديد الالتزام بالاحترام، والالتزام بالحماية، والالتزام بالنافذ:
1- الالتزامات بالاحترام: إن الالتزام بالاحترام يقتضي أن تمتنع الدول عن التدخل المباشر أو غير المباشر في التمتـع بالحق في المياه. وعلى سبيل المثال، ينبغي أن تمتنع الدول عن: تلويث موارد المياه؛ أو قطع خـدمات المياه والصرف الصحي بطريقة تعسفية وغير قانونية؛ أو الحد من توفير مياه الشرب المأمونـة للأحياء الفقيرة من أجل تلبية الطلب في المناطق الأكثر ثراء؛ أو تدمير الخـدمات والهياكـل الأساسية للمياه كتدبير عقابي خلال النزاع المسلح؛ أو استنفاد الموارد المائية التي تعتمد عليها الشعوب الأصلية لأغراض الشرب
2- الالتزام بالحماية: يقتضي الالتزام بالحماية من الدول أن تحول دون تعدي أطراف ثالثـة علـى الحـق في المياه. وينبغي أن تعتمد الدول تشريعات أو تدابير أخرى لضمان امتثال الجهات الخاصة، كالصناعة أو موردي المياه أو الأفراد مثلا، لمعايير حقوق الإنسان المرتبطة بالحق في الميـاه. فعلى سبيل المثال، ينبغي للدول أن تعتمد التدابير التشريعية الضرورية وغيرها من التدابير اللازمة لضمان عدم قيام أطراف ثالثة بقطع خدمات المياه والصرف الصحي تعسفاً وعلى نحو غير قانوني؛ وحماية المجتمعات المحلية من قيام أطراف ثالثة علـى نحـو غـير مـستدام باستخراج الموارد المائية التي تعتمد عليها هذه المجتمعات لأغراض الشرب؛ وعدم تعـرض الأمن الشخصي للنساء والأطفال للخطر عند ذهابهم لجلب المياه أو استخدام مرافق الصرف الصحي خارج المنزل؛ وألا تمنع القوانين والممارسات المتعلقة بملكيـة الأراضـي الأفـراد والمجتمعات المحلية من الوصول إلى مياه الشرب المأمونة؛ وعدم مساس الأطراف الثالثة الـتي تتحكم في خدمات المياه أو تديرها بإمكانية الحصول مادياً على ما يكفي من مياه الشرب المأمونة على قدم المساواة وبتكلفة معقولة.
3- الالتزام بالإنفاذ: ويقتضي الالتزام بالإنفاذ من الدول أن تعتمد التدابير التشريعية والإداريـة والخاصـة بالميزانية والقضائية والترويجية وغيرها من التدابير من أجل الإعمال الكامل للحق في المياه. ويجب على الدول، في جملة أمور، أن تعتمد سياسة وطنية بشأن المياه من شأنها إيلاء الأولوية في إدارة المياه للاستخدامات الشخصية والمنزلية الأساسية؛ وتحديد الأهداف الخاصـة بتقديم خدمات المياه، مع التركيز على الفئات المحرومة والمهمشة؛ وتحديد المواد المتاحة للوفـاء بهذه الأهداف؛ وتحديد أكثر طرق استخدامها فعالية من حيث التكلفة؛ وبيان المـسؤوليات والإطار الزمني لتنفيذ التدابير الضرورية؛ ورصد النتائج والنواتج، بما في ذلك ضمان الـسبل الملائمة للانتصاف من الانتهاكات.
وسوم: العدد 788