الإسلاميون في مهب العواصف!
تهب العواصف الشرسة على الإسلاميين باستثناء أصحاب اللحى التايواني الذين يقومون بدور مرسوم في إلهاء الناس لحساب جهات معينة، وشدهم إلى قضايا هامشية بعيدا عن مسائل الدين والمجتمع الأساسية، حيث لا يعنيهم الماضي أو الحاضر أو المستقبل، بقدر ما تعنيهم الدنيا بقشورها فقد مردوا علي النفاق الرخيص، وعاشوا في الذل المقيت.
ولا جدال أن ضعف الإسلاميين في مواجهة العلمانيين أمر واقع لا يماري فيه أحد، ليس لقوة العلمانيين الذاتية أو العددية، بقدر وقوف جهات داخلية وخارجية تبغض الإسلام وقيمه ورؤاه من ورائهم، وقد فصلت ذلك في مكان آخر.
بعضهم يرجع ضعف الإسلاميين إلى نزعتهم العدوانية ضد الآخر، ويعلل ذلك بإيمانهم بنظرية المؤامرة، والتفسير الخاطئ للمواقف والأفكار التي يتبناها آخرون، ويربطه بفترة الصحوة الإسلامية وثورة الخميني والغزو الشيوعي لأفغانستان، ويضرب مثلا على ذلك كتابات الأستاذ أنور الجندي والأستاذ عبد الستار فتح الله سعيد التي تفتقر في زعمهم إلى الحصافة والرويّة لسائر الادبيات الأخرى.
والمشكل هنا أن فكرة الصراع بين النخبة العلمانية في العقود الأخيرة مع الإسلاميين، تنطلق من فكرة الجريمة المنظمة ضد الإسلام وثوابته، وليس فكرة المؤامرة، فالجيوش المعادية للإسلام تزحف في بلاد المسلمين، تقتل وتدمر، وتخرب، وتضلل بالآلة الإعلامية الجبارة، كما رأينا في أفغانستان والعراق وإيران والصومال والشيشان فضلا عن فلسطين، وتقوم النخبة العلمانية بالتسويغ والتبرير وإقناع العالم الإسلامي بضرورة الجريمة؛ مثلما يقنعونهم بالزعيم الضرورة والقائد الضرورة والنظام الضرورة.
في النصف الأول من القرن العشرين كان الشذوذ الفكري عملا فرديا في الأغلب، غير خاضع لإملاءات الغرب وتوجيهاته أو الطمع في إغراءاته ومرغباته، أو الخوف من ترهيباته وتهديداته، فرأينا من يكتب عن الإلحاد ويروج له، ويجد من يرد عليه ردا هادئا رزينا فيتحول عن إلحاده، ومن يدعو إلى ما يسمي القومية المصرية في مواجهة الجامعة الإسلامية، ولكنه يقرأ ويكابد فيتحول إلى دائرة الإعجاب بالإسلام ويكتب عن تجلياته، بيد أن الغرب المعادي بعد إنهاء احتلاله العسكري لبلاد المسلمين ومنحها استقلالا شكليا، أطلق النخبة العلمانية المنتقاة بعناية في تشكيلات سرية أو علنية، وأمدها عن طريق الأنظمة بالإعلام ووسائط النشر والتأثير، ووفر لها حراسة شخصية من عرق المواطن المسلم الكادح، فراحت تقوم بما يريد من تشويه للشريعة وطعن في الإسلام والزعم بقصوره عن إقامة نظام عادل منتج آمن ومستقر. ولا أعتقد أن مداراة هؤلاء المأجورين أو مد اليد إليهم يعود بالفائدة على الإسلاميين، أو يغيّر من مهمتهم العدوانية، فقد جيء بهم من أجل إقصاء الإسلام أو استئصاله، وانظر في الصحف والدوريات والفضائيات والإذاعات، هل تجد فيها أحدا من الإسلاميين أيا كان نوعه؟ كلا.. لغة العداء لكل ما هو إسلامي هي السائدة، وهي الرائجة بقوة الأنظمة وقوة المؤسسات. انظر إلى ما يكتب وينشر من مقالات وآراء وكتب تطعن في الدين وثوابته (وصلت إلى حد رفض المواريث، والمطالبة بتغيير ثوابت الإسلام)، وفي الوقت نفسه لا يُسمح بنشر تصويب أو تصحيح أو دفاع. كيف نفسر هذا؟ هل نعده من قبيل الترف الفكري، أو المداعبات العلمانية؟
الساحة الأدبية تحتاج إلى أمثال أنور الجندي وعبد الستار فتح الله سعيد، لأنها تكاد تخلو من أصحاب الدأب والصبر في تجلية الإسلام والدفاع عنه بمنهجية ووعي بما وراء الأكمة وطبيعة العدوان السافر على الدين الحنيف.
إن من يتهمون الإسلاميين بكسب العدوات والخصوم، لا يذكرون مثلا أن الرئيس الشرعي المختطف محمد مرسي- فك الله أسره- دعا إلى لقاء بالمثقفين، فلم يُدْعَ إلى هذا اللقاء أديب أو مثقف إسلامي واحد، وقد أصدرتُ في حينه مع مجموعة من الفضلاء بيانا أحتج فيه على ذلك، ولكن المفارقة أن بعض من حضروا الاجتماع من الشيوعيين واليساريين، تصرّف بمنطق الوغد اللئيم، وأطلق العنان للسانه في الرئيس الأسير، وبعضهم ممن وجهت إليهم الدعوة ولم يحضر، قال كلاما رخيصا، مع أنه لا يملك إلا رُبع موهبة، ولا يجيد كتابة فقرة بمستوى تعبيري يليق بأديب أو رئيس تحرير مجلة أدبية!
يجب الاعتراف أن الإسلاميين أهملوا الجانب الأدبي والثقافي عموما، لعل المحنة جعلتهم يفضلون الجانب الخطابي، وللأسف فإن هذا الجانب أيضا صار غير متاح في ظل الحرب الشرسة ضد الإسلام، لقد أغلقت الأنظمة المنابر والمساجد في وجه العناصر الواعية المثقفة، وقامت بتعيين عناصر غير مؤهلة لغويا وفكريا وثقافيا، وامتد الإغلاق إلى الزوايا والمساجد الصغيرة، وقام نواب وأشخاص من الموظفين لمحاربة الإسلام بتقديم مشروعات قوانين لإلغاء الزوايا وإنهاء دور الأزهر عمليا. ولم يعد هناك مجال إلا التعبير غير المقنن عبر الشبكة الضوئية وهو قاصر عن الوصول إلى الجماهير العريضة من الناس الذين لا يتعاملون مع هذه الشبكة.
إن أعداء الإسلام من العلمانيين واليساريين والليبراليين والانتهازيين لا يخافتون بعدائهم للإسلام والمسلمين، ولا يبالون بمنح بعضهم المكافآت السخية على قدر جهدهم في العداء للدين الحنيف. يكفي أن أذكر لك مثالا واحدا يتقاضى صاحبه عن مقالتين أو ثلاثة يكتبها شهريا في صحيفة يومية عما يسميه الإرهاب الإسلامي قرابة ستين ألف جنيه، ومكتبا فخما، وامتيازات أخرى، بينما في عهد الرئيس الأسير كانوا يمنحون الكاتب الأسبوعي أو اليومي، أو المشرف على موقع مهم فتات الفلوس، حرصا على المال العام..؟! هل يمكن أن تنعقد صداقة بين العلمانيين والإسلاميين في ظل عدم تكافؤ القوى؟
الله مولانا. اللهم فرّج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!
وسوم: العدد 788