اتفاق إدلب.. مخاوف وآمال
أحسنت الفصائل الثورية في الشمال السوري المحرر بحذرها وتأنيها في التعليق على اتفاق إدلب، أو ما عُرف باتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا، لا سيما أن أعداء الثورة السورية كانوا يعلقون آمالاً عريضة على إحداث شرخ وصدع بين الثورة والثوار من جهة، وبين الحليف التركي من جهة أخرى، الذي ظل وحده في ميدان دعم الثورة السورية، يسعى ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وسط ظروف دولية وإقليمية تذكرنا بتآمر الغرب والشرق، وخذلان القريب بما حل للسلطان عبدالحميد لثلاثة وثلاثين عاماً من حكمه، إذ يسعى هذا الحليف لتخفيف الضغوط على الشعب السوري، مع تخلي الكل تقريباً عنه وعن ثورته، ولهاثه نحو سراب العصابة الطائفية وسدنتها المحتلين.
جاء تعليق الجبهة الوطنية للتحرير معبراً عن مزاج الشارع الثوري، وهو الشارع الذي يثق بتركيا وبالتزامها بالثورة، ولكنه لا يثق بالمقابل بتعهدات الروس والإيرانيين، في ظل التجارب المريرة والعديدة من نقضهم للعهود والمواثيق، واتفاقيات خفض التوتر في كل المناطق، التي تم انتزاعها قهراً وجبراً وكيماوياً من الثورة والثوار، عزز ذلك قناعة الثورة والثوار بأن انتزاع المناطق بالسياسة والمفاوضات كان أسهل وأقل جهداً وكلفة بشرية ومادية ، من انتزاعها بالقوة المسلحة، وهو ما يُحتم على الثورة وحلفائها الانتباه والحذر من اتفاقيات قد تكون ملغومة.
على الأرض تسعى تركيا جاهدة إلى فرض الأمر الواقع على المحتل الروسي والإيراني بالمحافظة على ما تبقى من جغرافية الثورة، وذلك بخلق منطقة عازلة، ولكن التحدي الحقيقي هو أن المعتدي لن يقبل بسحب أسلحته الثقيلة، ولا بفرض منطقة عازلة كما تم الاتفاق عليه، فمثل هذه المنطقة العازلة ستنزع معه نسغ حياته، وهو القتل والدمار والخراب، وهو النسغ الذي عاش واقتات عليه لعقود حكمه، وأي تخل عنه يعني سقوطه وانهياره، فعصابة تغذت على الدم والقتل أنّى لها أن تعيش بدونهما!
أنقرة تحركت بسرعة لكسب الاتفاق الأخير شرعية دولية، ولذا فقد دفعت بباريس من أجل تبني المشروع في مجلس الأمن الدولي، وهو الذي جُوبه بفتور من قبل دوائر عدة، وتحديداً من قبل روسيا وإيران، وهو ما يشكك بنية الروسي في التعامل الإيجابي مع مخرجات الاتفاق، خصوصاً مع التصريحات والإشارات التي ترد من مسؤولين روس، ومنهم المندوب الروسي في الأمم المتحدة، عن نيتهم انتزع إدلب، وإعادتها لسلطة العصابة في دمشق، بالإضافة إلى ما يتم تسريبه في الإعلام الروسي عن موعد للهجوم عليها بعد شهر من توقيع الاتفاق، كما ذكرت أكثر من وسيلة إعلام روسية.
المنطقة العازلة التي تتضمن سحب السلاح الثقيل منها، وتجريد المقاتل من التحصينات والتدشيم الذي تعب عليه طوال سنوات سيكون خطيراً على الثورة ومستقبلها، إن لم يعزز بحضور تركي واقعي وشرعي من منظور القانون الدولي على الأرض، لا سيما أن نقاط المراقبة التركية خلال الأشهر الماضية لم تكن كافية بنظر الحاضنة الاجتماعية في وقف الانفلات العسكري والتدميري للعصابة في دمشق، وهو ما يدفع الجميع إلى التفكير بآليات جديدة وفعّالة، من أجل الحفاظ على ما تبقى من جغرافية الثورة.
المهم باعتقادي اليوم للثورة وحلفائها هو تعزيز العلاقة بينهما، فقدر الثورة والذين يقيمون على أرضها في الشمال السوري المحرر كقدر تركيا، مرتبط بعضهما ببعض، هكذا كان التاريخ على مدى قرون، ولا يمكن فصل اللحم عن الظفر، بينما تسعى القوى المعادية ليلاً ونهاراً إلى خلق صدع وشرخ بين الطرفين، وهو ما سيكون مكلفاً للطرفين على المديات القريبة والمتوسطة والبعيدة.
وسوم: العدد 791