رؤية فكرية في بعض إسقاطات مفاهيم الدولة المدنية على الدولة الإسلامية

أبو الهمام الخليلي

رؤية فكرية في بعض إسقاطات

مفاهيم الدولة المدنية على الدولة الإسلامية

أبو الهمام الخليلي

محاور المقالة:

1.ما علاقة مفهوم السيادة  بمفهومي الدولة المدنية والدولة الإسلامية؟

2.هل أفعال النبي عليه السلام بوصفه السياسي والقضائي هي تشريعية؟

3.هل مفهوم آية ""إن الحكم إلا لله" و أخواتها  محصورٌ  في القضاء ؟

4. ما علاقة  مفهومي الحرية والإكراه بالدولة المدنية؟

5.هل كل ما هو حرام يعتبر جريمةً تعاقب عليه الدولة؟

6.ما علاقة الاستعمار بالدولة المدنية ؟

ثَـمّـةَ من يؤمن من الإسلاميين بالدولة المدنية أو الدولة الحديثة ليس باعتبارها نتاجاً غربياً  بل  باعتبارها نتاجاً بشرياً عالمياً و ليس مختصاً بأمة دون أمة، ولذا تراهم يتبنون مفهوم الدولة المدنية كما هو عند أهله، ولكنهم يبذلون الوسع في إسقاطه على الدولة الإسلامية و تكييف  مفهوم  الدولة الإسلامية  معه، وعند إسقاط مفاهيم الدولة المدنية على الدولة الإسلامية فإنه ولا ريب  ستبرز مناطق التناقض بينهما، في مفاهيم عدة، مما يستلزم بالضرورة منهم  التأويل و النفي و التفريغ لكل مناطق التناقض و التصادم، لاسيما في مفهوم السيادة، إذ أن السيادة جُعلت للشعب في الدولة المدنية ، بينما هي في الدولة الإسلامية للشرع، ومفهوم السيادة  ركن أساس، وليس شرطاً تكميلياً ملحقاً في أي منهما، فلا يستقيم البتة رفض فكرة سيادة الشعب مع الاحتفاظ بالقول بالدولة المدنية  الحديثة،كما لا يستقيم رفض سيادة الشرع مع الاحتفاظ بالقول بالدولة الإسلامية، فمفهوم السيادة و مفهوم الدولة قرينان  لا ينفصلان عن أي منهما.

    و نحن لا نعني هنا بالسيادة تلك الخاصية من خصائص سلطة الدولة التي مفادها عدم وجود سلطة أخرى أعلى من سلطة الدولة أو مساوية لها في الداخل، وعدم خضوع سلطة الدولة لسلطة دولة أخرى في الخارج،بل  إنما نعني بالسيادة هنا الإرادة  العليا الحرة الآمرة للدولة التي لا تعلوها أو تساويها إرادة، فهي إرادة تحدد نفسها بنفسها، فلا تلتزم بتصرف معين إلا إن أرادت هي ذلك، فهي سلطة مطلقة سامية متفردة مقدسة لا تقبل التنازل والتقاسم، أصلية  قائمة بذاتها،لم تُتلق من سلطة أعلى منها،فصاحب السيادة لا يفرض عليه قانون، بل القانون هو التعبير عن إرادته،وحكمه بالحسن و القبح مقدس ملزم.

لقد انقلبت الثورة الفرنسية  على الدولة الدينية ومفاهيمها، التي  احتكرت السيادة للدين و الكنيسة، وجعلت من رئيس  الدولة اختياراً إلهياً، وظلاً مقدساً لله في الأرض، ينوب عنه لا عن الشعب، فهو فوق الشعب بسلطان مطلق، لا يساءل فضلاً عن أن  ينصب من الشعب، فخلعت الثورة الفرنسية من الكنيسة و من يمتطونها باسم الدين من ملوك و أباطرة السيادةَ منهم وجعلتها للأمة كشخصية معنوية مستقلة عن الأفراد المكونين لها، وما لبثت نظرية السيادة للأمة طويلاً  إلى أن انتقل المذهب الفردي بها من الأمة إلى الشعب، حيث الشعب مجموعة  مكونة من الأفراد يتمتعون بالحق السياسي بفرديتهم، فجُزئت السيادة بينهم، فكان لكل مواطن حقٌ ذاتي في مباشرة السلطة و السيادة ،ما يمثل انسجاماً تاماً مع فلسفة الديمقراطية، حتى غدت نظرية السيادة للشعب هي القالب القانوني ،في كل دستور، لفلسفة الديمقراطية.

لقد كانت الشريعة الإسلامية وَحدَها يُقضى بـها، ويتحاكم إليها في بلاد المسلمين، وقد يُتهاون في الالتزام ببعض أحكامها، ولكن هذه الانحرافات لم تتجاوز على الجملة دائرةَ التنفيذ العملي لبعضِ الأحكام الشرعية، ولم تتعدَّ ذلك إلى دائرة التشريع و السيادة بحال من الأحوال، إلى أن قُضي على الخلافة الإسلامية فاستبدل بالشريعة الأحكامَ الوضعية، وفُصلت الشريعةُ عن الحكمِ والسياسة و الحياة، ومن ثمَّ بدأت بعد الفصلِ هذا الانحرافاتُ تتعدَّ دائرةَ التنفيذِ إلى دائرةِ التشريعِ والسيادة، تحت عناوين: فتحِ باب الاجتهاد، و تجديد الدين، والتنوير والنهضة والإصلاح.

    و انتقل النقاش في نظرية السيادة  إلى بلاد المسلمين،و تشعبت الآراء في المسألة، ففريق جعلها لله أي للشرع، وآخر جعلها للأمة مقيدة بالشرع، وفريق آخر جعلها للإنسان من جهة أن الإنسان يختار  بإرادته الحرة اعتناق الإسلام فهو صاحب السلطة أو السيادة في الاختيار، وفريق أخير يأخذ بفكرة السيادة المزدوجة، بمعنى أن السيادةَ خالصةٌ لله تعالى في مجال النصوص الواضحة القطعية، وتكون للأفراد في منطقة ما لا نص فيه أو فيه نص ظني بحاجة إلى التأويل والاجتهاد.

أقول: إذا أراد المعاصرون أن يصطلحوا على مفهوم جديد للسيادة لا يعرف الإطلاق ولا  الأصالة ولا التفرد،  بمعنى أرادوها سيادة مقيدةً بأحكام الشرع أو سيادة مضبوطة بضوابط الشريعة، فلا تَملك الحق في إنشاء شرع، ،فإن ذلك الاصطلاح فيه خطر كبير وضرر، من جهة تشويش المفاهيم المرَجَّح الوقوع، فالناس عندما تسقط في أُذنهم الألفاظ يستحضرون معها معانيها العرفية، لا معاني من حوَّرها وأجرى التعديلَ عليها لتوافق ثقافتَه. ثمّ إنّ الاصطلاح بطبعِه، لا يُعادُ إنتاجه، وحقوق طبعه محفوظة على أهله الذين اصطلحوه، فلا يصحُّ أن نسمح لنسخته المعدلة بالعبور، لأنها مزيفة ،وإن بحسن نية، فنسقطَ في شَرَك تشويش المفاهيم، وإن لفظ السيادة لا يحتمل التقييد ولا تحتمل السيادة أن تكون مسقوفةً بسيادة أعلى منها، لذا كان في استخدام مصطلح السيادة المزدوجة أو السيادة  المحدودة  للشعب بضوابط الشرع استخداماً خاطئاً خَطِراً.

    و حتى نُخرجَ هذا الفريقَ من هذا التشعيب و التداخل، نريد أن نسأل بكل بساطة السؤال التالي؟ السيادة في النهاية هنا لمن؟ لله أم للشعب؟ الإرادة العليا الحاكمة و التي لها الكلمة السامية الأولى و الأخيرة هي لله أم للشعب؟و نلفت هنا إلى أن السيادة مفهوم لا يقبل التقاسم،و لا التقيد،فبعيداً عن الإشكالات اللفظية،يجب أن يكون الجواب واضحاً، هل الشرعُ يحكم إرادة الشعب أم  أن  الشرعَ محكومٌ بإرادة الشعب؟ فلتكن الإجابةُ بينةً بلا لفً ولا دوران.

    ولنا وقفة هنا،مع فكرة السيادة المزدوجة،حيث السيادة الخالصة  لله تعالى مسلطة على منطقة النص الواضح القطعي، وسيادة الأفراد مسلطة على منطقة ما لا نص فيه أو فيه نص ظني مبهم يحتمل الاجتهاد و التفسير و التأويل، إنه لمن الواضح أن أصحاب الفكرة هذه نزلوا عند إرادة الشرع في توزيع مناطق السيادة، فالشرع هو صاحب الحق الوحيد في أن يوسع أو يضيق منطقة سيادة الأفراد، إن كان الحال كذلك، ففكرة المزاوجة بين السيادتين هي في حقيقتها مندرجة تحت فكرة سيادة الشرع، والمشكل الكبير  هنا فيها هو من جهة الاصطلاح وخطره في التشويش، وإن مصطلح السيادة لا يحتمل أن تعلوه سيادة، فوصف السيادة للأفراد هنا لغو لا معنى له،حتى وإن كانت مساحة الإبداع المتروكة للأفراد واسعة، فهي على كل الأحوال مقيدة و محدودة و مسقوفة،مما يتنافى مع وصفها بالسيادية.

    إن عبارة" منطقة ما لا نص فيه" و عبارة "أو فيه نص ظني مبهم يحتمل الاجتهاد و التفسير و التأول"عبارتان بحاجة إلى التفكيك و الوقوف أيضا ً،فمنطقة "ما لا نص فيه" منطقة قد وسعها من يسمون أنفسهم بالمجددين،و هم في حقيقتهم محرفون، وللشريعة  مبددون، حيث فرغوا الشريعة من  كثير من الأحكام لتتوافق، ولا تتصادم مع فكرة سيادة الشعب في الدولة المدنية الحديثة، لاسيما في التشريع، فتحدثوا أن ما قام به النبي ،صلى الله عليه وسلم، من أفعال و أقوال و سكوت بوصفه إماما ً أي قائداً سياسيا ً أو ما قام به بوصفه قاضيا ً فإنها سنة  (غير تشريعية) !!،  أما ما قام به النبي عليه السلام  من قول أو فعل أو سكوت في العبادات و العقائد و الأخلاق فإنها سنة( تشريعية)!، أي كل ما يتعلق بما يسمونه بالمتغيرات الدنيوية ليس تشريعياً، بل قام به النبي بوصفه الإنساني لا الرِّسالي، أي ليس و حيا ً،و لا قداسة له، ولا تأسي فيه،و كل ما يتعلق بالثوابت الدينية،كما يسمونها،فإنها سنة قام بها النبي باعتباره مبلغاً عن ربه، أي هي وحي ومِحل تأس وتقديس.

    هذا الكلام بكل بساطة، فرغ الإسلام من فقه المعاملات والعقوبات إلا من قليل، أي فرغ الإسلام من التشريع الناظم لعلاقة الإنسان بالإنسان في المجتمع،و أعطى الشرعيةَ لفكرة فصل الدين عن الحياة. وهناك كلام قريب من سوء هذا الكلام، صدر أخيرا ً،يصرح بأن كل آيات الحاكمية هي فقط في ما يسمى بالسلطة القضائية، فـــ"إن الحكم إلا لله" و أخواتها،آيات موضوعُها القضاء و حسب!!،وهذا كلام تفريغي،يناسب القولَ بسيادةِ الشعب، أو قلْ توسيعي لمنطقةِ "ما لا نص فيه"، فالسلطةُ التشريعيةُ، غيرُ محكومةٌ بآياتِ الحاكميةِ عندَهم!

    و هو قول مردود هو والذي قبله، فالزعمُ بأن ما قام به النبي عليه السلام بوصفهِ سياسياً أو قاضياً ليس تشريعا ً ولا وحياً،و عزو ذلك إلى الإمام القرافي صاحب "الإحكام في  تمييزِ الفتاوى عن الأحكامِ وتصرفاتِ القاضي و الإمام"، زعم متجرئ، انحرف فيه صاحبه متعدياً على دائرة التشريع. وهو زعمٌ لا تحتملُه نصوصُ القرافي، حيثُ كان يميز بين ما يتأسى به بالنبي مباشرة كالعبادات و ما يتأسى به من جهة الواسطة و الإذن كالقضاء و تسييرِ  الجيوش و عقد المعاهدات، فإن المسلم العاديَّ لا يستطيعُ أن يتأسى بالنبي فيها إلا أن يصيرَ قاضيا ً أو رئيسَ دولة أو ما شاكل، هذا هو السياق، وليس السياق هنا عند القرافي، في أن النبيَّ فعله كسياسي و كقاضٍ كان بوصفه البشري لا الرسالي.

    إن  الفرق بين الفُتيا  والقضاء، بحسب الإمام القرافي، هو كالفرق بين الخبر والإنشاء، في علوم اللغة،حيث الخبر  ليس فيه إلزام،  بل إنما هو إعلام،و هو محل تصديق أو تكذيب، بينما الإنشاء كالنداء و الاستفهام والطلب  ليس محل تصديق أو تكذيب، بل هو محل  إلزام، فيكون المفتي (مخبر على وجه الإعلام) بينما القاضي (منشئ على وجه الإلزام). وكلا الفُتيا و القضاء تصرفٌ بالحكمِ الشرعي،حيث الفُتيا تصرف بالحكم الشرعي على  وجه (التعريف و الإعلام) و القضاء تصرف بالحكم الشرعي على وجه (التنفيذ والإلزام)، فعمل المفتي هو التبليغُ و النقلُ للحكم الشرعي، وهو بالطبعِ يستلزمُ  فهم المستنبط أو الاجتهادَ لترجيح الأدلة في الظنيات، و عمل القاضي يستلزم أمرين: (النظر في الدعاوى و البينات والخبرة بلَحَن الخصوم، كل ذلك  لترجيح الحِجاج) ، كما يستلزم (التمَكُن من الحكم الشرعي،لينزل الوقائع تحت مظلة الحكم الشرعي الخاص بها) . فيصاحب القاضي شرطة و سلطة ينفذ بها ما أنشأه بحسب الحكم الشرعي و بحسب ما استقر عنده من حِجاج. والنبي، عليه السلام، قد مارس الفُتيا ومارس القضاء،و هو الأسوة و القدوة لمن جاء بعده من مفتين وقضاة، فيجب تحري نوعَ تصرف النبي، عليه السلام، ليكون التأسي  به قائماً على وجهه قاضياً أو مفتياً.

    و إن تصرف الإمام ،أي رئيس الدولة، هو أوسع من تصرف المفتي و القاضي، فهو تصرف زائد على النبوة و الرسالة و القضاء و الفُتيا، إذ هو من يرعى الشؤون، فينظمُ الجيوش، ويقيم المعاهداتِ، ويصدر القوانين الإجرائية من وسائل وأساليب، ويتبنى في الحكم الشرعي في الظنيات، فالإمام هو صاحب السلطنة العظمى على الخلائق. وفعل النبي، عليه السلام، كما جرى في الفُتيا و القضاء جرى في الإمامة العامة، أي رئاسة الدولة، وهو تصرف من النبي ،عليه السلام، بالحكم الشرعي على وجه التنفيذ و الإلزام، فيجب التنبه حين التأسي لمعرفة الوجه الذي قام به النبي عليه.

هذه هي خلاصة ما قصده القرافي رحمه الله،و بالتأكيد لم يخطر بباله،أن أناساً من بعده، سيأتون يحرفون كلامه و يؤولونه تأويلاً علمانياً ، يفصل الدين عن الحياة ويجعله في العقائد والأخلاق و العبادات.

    و تسمع منهم عجبا ً إذ يضيفون بأن كثيراً من الأحاديث في العلاقات العامة بين الناس قالها النبي بوصفه سياسيا ًلا رسولاً كحديث :"من أحيا أرضاً ميتة فهي له"،و يعزون ذلك بالطبع لأبي حنيفة حيث،جعل الأمر في الإحياء بإذن الإمام، فجعلوها مسألة تشريعة ً بيد الإمام، و واقعها أنها لا تلغي الحكم الشرعي بل تنظم تطبيقه، حيث الحديث في مسألة الإحياء أنشأ حكماً شرعياً، و رأى الأحناف أن ينفذ الحكم بإذن الإمام،كي لا يحدث التنازع على الأرضين ، وينظم أمر توزيعها على المحيين تماماً كإقطاع الأراضي.

    إن الله تعالى يقول: " وما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا"، وما هنا من ألفاظ العموم،و يقول تعالى :"إن هو إلا وحي يوحى" ، وفي هذا تصريح بأن ما يصدر عن النبي، صلى الله عليه و سلم، من قول أو فعل أو سكوت، هو وحي وتشريع إلا ما استثني من الأفعال الجبلية إذ هي على الإباحة له ولأمته من بعده، ومما قام به النبي من باب الوسائل و الأساليب المناسبة لعصره ،حيث دل فعله على أنها للإباحة، فهي مندرجة تحت أحكام عامة ، أما غير هذا فكله و حي وهذا ما عليه علماء المسلمين منذ القدم وعامتهم،إلا من بدعة ابتدعوها هؤلاء المعاصرون،لم نسمع بها في الأولين،و لا يسندها دليل مكين.

    أما الزعم بأن "إن الحكم إلا لله" و أخواتها هي في القضاء وحسب، فزعم باطل واه، حيث الرد إلى كتاب الله و سنة رسوله هو في كل تنازع، بغض النظر عن أطرافه، فإن تنازعت المرأة و زوجَها أو تنازعت الأمة مع حاكمِها أو الدولة مع جيرانها رُدّ ذلك كلُّه إلى حكم الله، فليس القضاء كما صور و كأنه لمسألة شجار عائلي تفض فيه الخصومات، بل هو مطلق و عام في شؤون الحياة كلها,ثم نسأل بمَ يقضي القضاءُ إن فرغ الإسلام من التشريع، أليس القولُ بالقضاءِ يقتضي القولَ بالتشريع!

    (إن الحكم إلا لله) لا تعني أن حكم الله تعالى مقصور في مجال القضاء  الذي هو إخبار بالحكم الشرعي على سبيل الإلزام، ولا حتى في مجال الفتوى التي هي إخبار بالحكم الشرعي على وجه الإعلام، بل حكم الله تعالى هو في كل شأن من شؤون الدولة ،من قضاء و  اقتصاد و نظام اجتماعي وسياسة خارجية و وسياسة داخلية، و سياسة التعليم، فأينما كان هناك تصرف للدولة وجب عليها الالتفات إلى الشرع لمعرفة الحكم الشرعي المتعلق بذلك التصرف، فإن الحكم إلا لله عامة في كل المجالات و ليس في القضاء فحسب.

تطبيق الحاكم للشرع ماذا يعني؟ إن الحاكم إذا التزم أحكام الشرع و حافظ على الالتزام بها في المجتمع في النظام الاقتصادي من أحكام الأراضي و أنواع الملكيات و حرمة الاحتكار و حرمة التسعير و أحكام النقد و الصرف ،و أحكام البيع و شركة الأموال و شركات العقود و غير ذلك مما امتلأت به كتب الفقه، يكون نفذ حكم الله وحكم بالإسلام في النظام الاقتصادي.

وإن التزم بأحكام النظام الاجتماعي الناظم لعلاقة الرجل بالمرأة  وراقب تنفيذها في المجتمع من أحكام ستر العورات وأحكام الاختلاط، و الزواج و الطلاق و النفقة و غير ذلك يكون  نفذ حكم الله وقد طبق الإسلام في النظام الاجتماعي  هكذا قل في السياسة الداخلية و السياسة الخارجية و سياسة التعليم.

ما كنت بحاجة إلى هذا الاستطراد في الشرح لولا أن هناك من زعم أن (إن الحكم إلا لله) هو فقط في القضاء.

    إن المجازفة في إسقاط مفاهيم الدولة المدنية  على الدولة الإسلامية هو الذي استدعى عملية تفريغ الإسلام  ونظام الحكم مما يقابل السلطة التشريعية  في الدولة المدنية الحديثة، لأنها منطقة تناقض و تصادم.

    إن قول أنصار السيادة المزدوجة بأنهم ليسوا مع فكرة إكراه الشعب على أي تشريع بالكلية ينسف سيادة الشرع نسفاً، إذ لازم قولهم أن كلمة الشعب هي الأعلى، و أن الشعب لا يملك أحد إكراهه و لا إجباره، فالحاصل إذا ًأن إرادة الشعب عمليا ًهي فوق إرادة الشرع عندهم، فكلامهم هذا يصنفهم في خانة أنصار سيادة الشعب لا الشرع، ولذا تراهم يتماشون مع قبول فكرة إطلاق الحريات للشعب ممثلاً بأفراده،حيث الحرية هي غياب الإكراه، و حيث حرية  الفرد هي تمكينه من ممارسة إرادته و اختيار قراره دون أي جبر أو ضغط خارجي من أي جهة كانت، فهو سيد نفسه، ولا سلطة تعلوه.  لذا كانت نتيجة كلامهم التي لا مفر منها: أن الحرية مؤداها  هنا فكّ ارتباط شرعية قوانين الدولة و تشريعاتها بالإسلام وجعل شرعية التشريعات مصدرها قبول الشعب لها.

    ولكي نكون واضحين دقيقين في شأن فكرة الحرية نقول: إن الإسلام قائم على العبودية لله "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" الآية، و أما الحرية فعلى الضد من ذلك تماماً، حيث هي انطلاق من كل قيد، لذا "لا حرية في الإسلام" بهذا المعنى ،بل الإنسان مقيد بالشرع.

     و إنه لمن المؤكد أن مفهوم الحرية مفهوم مستورد،غريب يناقض  معنى الاستسلام لتشريعات الإسلام،و هو في تراثنا  التاريخي لم يعرف سوى في سياقين،الأول في مقابل الرق "متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ً"،و الثاني سياق ميتافيزيقي كلامي في مسألة الجبر والاختيار،حيث المعتزلة قالت بأن الإنسان يخلق أفعاله،و يتمتع بحرية الإرادة ، لدرجة نالت من قدرة الله المطلقة، فرد الجهمية الجبرية عليهم قولهم انتصاراً لإرادة الله المطلقة بالنفي حتى وصل بهم الحد إلى إنكار أي فرق حقيقي بين فعل الإنسان و حركة الظواهر الطبيعة، فصار الإنسان في تصورهم كالريشةِ في يد الهواء،يحركها كيف شاء، ثم قام فريق ثالث هم الأشاعرة قالوا بالكسب الاختياري للإنسان.

     إن هذين السياقين بعيدان كل البعد عن مفهوم الحرية الوافد إلينا من الخارج،فالمسألة ليس موضوع الرق،كما أنها  ليست ميكانيكية فعل الإنسان، يحركها الله أم يحركها الإنسان.

وفي الوقت الحاضر،هناك  معنى عرفي لا ينكر للحرية، يعني رفض الاستبداد والطغيان والظلم والارتهان للأجنبي، وهذا المعنى  سليمٌ مقبول، ولكنه بعيد عن مبحثنا، لا يؤثر فيه، فمبحثنا في التصرف والتشريع  والسيادة.

     و ليس معنى القول "لا حرية في الإسلام"،أن الإسلام وضع الإنسان في زنزانة، أو قيّده فأقعده فلم يعد يقدر على الإبداع و الحركة.

     إن القول بالحرية في حدود الإسلام، (بجعلِ الحرية مقيدة،!!)،قول متناقض من حيث الاسم، وتحوير لمفهوم الحرية (الليبرالية) الوافد ليوافق ثقافتنا، ومعلوم أن الأسماء المستقرة هي حكر على من سماها، فلا يلعب بها، كي لا نحدث تشويشا فكرياً في المفاهيم،كما أسلفنا، فلن نمرر المصطلح وسنصده بقوة، وإننا لنؤكد هنا أنه ليس من خلاف أن مساحة المباح و الجائز مساحة شاسعة في الإسلام،وأن استفزاز الإبداع من خلال خطاب التكليف الموقَد بالطاقة الروحية،يفجر طاقات الإنسان،و تاريخنا خير برهان،فهذا أمر يستدل به ولا يستدل عليه ،غني عن البيان.

     و أمر آخر تجدر الإشارة إليه كي لا يشغب المشاغبون علينا في شأن الحرية،حيث الحرية و الجبر و الإكراه،يبدوان على طرفين نقيضين،القول بأحدهما يكون بالضرورة نفي للآخر. بمعنى أننا حين نقول برفض فكرة الحرية "الليبرالية" يتوهم علينا البعض فيرانا و كأننا نؤمن بقيادة الإنسان بالحديد و النار،و الجبر والإكراه و الإلزام!، إن الأمر ليس كذلك،فلا يكره أحد على عقيدة الإسلام"لا كراه في الدين"،"و"فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" الآية،و هذا معلوم للجميع، و عند الحديث عن الالتزام بالأحكام الشرعية،فإن الإسلام يطبقه الأفراد بلا إكراه،بل بدافع تقوى الله تعالى بإرادة ذاتية واعية مؤمنة لا تتوقف عن البحث و الدرس و الفهم،محبة لدينها ،راجية رضا ربها، ثم يأتي دور المجتمع  المثقف  الغيور على دينه،الذي يشد بعضه بعضاً، والذي يأخذ على يد فئران العبث و التخريب، التي تزعم أنها حرة وبأنها تخرق في نصيبها!، فلا يتركها تخرق سفينتنا، فنغرق جميعا،بل يأخذ هذا المجتمع بإراته الذاتية الواعية، و غَيْرةً على شريعة ربه، على يد الظالم حاكما ً أو محكوماً ، فيأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر، فيصير المجتمع كالكير ينفي خبثه و ينصع طيبه،هكذا يتحرك تنفيذ الشرع في المجتمع، طبيعياً  متجانسا ًمنسجما حتى مع حركة غير المسلمين في داخله،إذ بشعورهم بعدالة النظام الذي يطبق عليهم تراهم بدافع ذاتي ينتصرون له و يحافظون عليه و لو بأرواحهم،كما فعل نصارى الشام أيام غزو الفرنجة الصليبيين.ثم بعد هذا كله يأتي دور الدولة ليقوِّم سلطانها من اعوج،و يحافظ على النظام العام،فتكره الدولة الشاذين عن مسيرة المجتمع على الانضباط ،و تصلحهم بسياسة رعوية راشدة و توقع بالمجرمين العقوبات الزاجرة.

     فالقول إذا ً برفض فكرة الحرية الوافدة من الحضارة الغربية،لا يعني سياسة القهر و الجبر،بل هي العصا لمن شذ عن مسيرة المجتمع وعصى.

     إن هؤلاء المضبوعين بفكرة الدولة المدنية  وسيادة الشعب والمتأثرين بفكرة إطلاق الحرية  يكثرون من الاستدلال بآية" لا إكراه في الدين"،منزلين الآية على غير معناها،حيث يؤولونها تعسفاً بلا إكراه  على المسلمين في التشريع فضلاً عن غير المسلمين،فلا تكره المرأة على تغطية رأسها، ولا تمنع المرأة من العري على الشواطئ، إنها حرة فيما ترتديه من زي يناسبها, ،و لا نكره أحداً على إغلاق خمارة ، ولا نمنع كتاباً يسب ديننا ،أو فضائية تنال من مقدساتنا، و من أراد أن يزني،بواحدة برضاها لا نستطيع أن نمنعه و نكرهه،ما دام ملتزما ً بالقانون،  ولا يضر بالجميع، لأن حرية الاعتقاد مكفولة للجميع  و"لا إكراه في الدين".

     إن آية لا كراه في الدين،لو رجعت إلى كتب التفسير جميعها لو جدتها مجتمعة على أنها في الكفار،و أنهم لا يكرهون على اعتناق الإسلام،و لكن هذه التفاسير يبدوا أنها باتت قديمة و غير صالحة، فتفسر الآيةُ حديثاً بلا إكراه في تطبيق أحكام الشرع على المسلمين وغير المسلمين، ويقولون إن كان لا إكراه في العقيدة فمن باب أولى لا إكراه في الأحكام،فلا يكره المسلمون على أحكام الاسلام،و هذا تأويل بِدعيّ على دين الله،و يتناقض شريعة الله.

    فإن كل ما هو حرام ،مُجاهر به و يمكن إثباته أمام القضاء،يُجرّمُ  في الدولة و يستوجب عقاب دنيوي و قد تمنعه الدولة  تنصيصاً بالقوانين رفعاً للجهالة، و حتى لا يكون للناس على الدولة حجة، فلا يَتَترَّس بعدها أحد بجهله بما يعتبره الشرع جريمة،وإن كل معصية في الشرع هي جريمة بالمعنى الجنائي،فهناك  تلازم شرعي بين العقوبة والمعصية أو العقوبة والجريمة مادامت المعصية مجاهر بها غير خفية قام بها المكلف شرعاً، فضابط الجريمة في الإسلام مخالفة الشرع، بغض النظر عن الضرر الذي يمكن أن ينتج من جراء تلك المخالفة، مع أن الضرر ملازم لمخالفة نصوص الشرع.وإن الشرع لم يأتِ ببيان الجرائم دون التطرق لكيفية علاجها،بل جاء بنظام عقوبات يغطي المعاصي المجاهر بها  جميعها التي يمكن إثباتها أمام القضاء،فجعل الإسلام نظام العقوبات حيث عقوبات القصاص وعقوبات الحدود المعروفة وعقوبات التعزير،و حيث أن التعزير هو : التأديب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة ،فيشمل كل المعاصي المجاهر بها غير المغطاة بالحدود و القصاص،و عليه فإن شرب الخمر و تعري المرأة، أو عدم تغطيتها رأسها ، أو بيع المحرمات، أو نشر الفن و الفكر و الأدب قليل الأدب وما شاكل ذلك في الحياة العامة، يستوجب العقوبة،تغيراً للمنكر،و زجراً للعاصي و المجتمع،و جبراً لعقوبة الآخرة.

    و حاصل ذلك كله،أن الدولة الإسلامية راعية و هي مسئولة عن رعيتها، تنفذ أحكام الشرع في الداخل،و تعاقب و تؤدبُ من يرتكب فيها المعاصي مجاهرة ،لأن كل معصية  هي جريمة جنائية،فلا يقال إذاً "لا إكراه في الدين"،تملصاً من تطبيق شرع الله،فتلك حجة داحضة،و كما أسلفنا ،فإن المجتمع مع الدولة متعاون في إكراه الخارجين على القانون ،يحافظون  على تطبيق النظم جميعاً،و لا يسمحون  بالمعصية بينهم أن تشيع.

    إنه لمن الغش الفكري والسياسي أن تُقدم الدولة المدنية للناس في صورة طوباوية طاهرة، ودواء ناجع لرزايا التعصب والعنصرية والاستبداد،ولن آخذ لكم مثالاً مبرهناً على ما أدعيه من الدول في منطقتنا،التي حكمت بالحديد والنار، وهي جميعها دول علمانية مدنية ،بل آخذ المثال من دول "العم سام"،التي نصبت هذه الدول في بلادنا ،و أمدتها بشرايين الحياة و ثبتتها  فوق رقابنا،فخذ الولايات المتحدة الأميركية مثالاً ،هي دولة علمانية مدنية بنص دستورها ، ومع ذلك فعلت بالسود وبالهنود الحمر ما هو معروف في التاريخ الحديث، وفعلت من الفظائع بالبشرية خارج حدودها ما فعلت. وقل الأمر مثله في كل دول الاستعمار (المدنية) بين قوسين، من بريطانيا و إيطاليا و فرنسا ، وغيرهم،مارسوا الإجرام بكل أشكاله: مصوا خيرات البلاد والعباد وقتل البشر بالملايين و عذبوهم من أجل مصالحهم.

    بالتأكيد،سيرد علي هنا مباشرة أنصار الدولة المدنية بأن كل ما ذكرت لا علاقة له بمفهوم الدولة المدنية،إنما هي ممارسات غير مدفوعة من داخل مفاهيم الدولة المدنية،و الدولة المدنية منها براء،أو قل الدولة المدنية دولة بريئة،من الممكن أن تستخدمها الشعوب بالخير كما يمكن أن تستخدمها في الشر،فلا تعلق مصائب الاستعمار،و جرائم الاستبداد في دولنا على مفهوم الدولة المدنية العلمانية.

    و لنرد على أنصار الدولة المدنية كلامهم لنثبت بالحجة و البرهان بأن جذور الإجرام في عمق مفاهيم الدولة المدنية،حيث الدولة المدنية الحديثة وظيفتها  مقتصرة بحسب نظرية العقد الاجتماعي و النظرية الفردية المؤسستين لها،على مرافق الدفاع والبوليس والقضاء ،أي منحصرة في مهام تهيئة الأمن الداخلي والخارجي والعمل على سيادة الطمأنينة والاستقرار و الحفاظ على الحريات و حسب،أما النشاطات الأخرى كتطبيق  وحفظ رسالة ما أو مبدأ أو حضارة،فلا دخل للدولة فيه،  إذ الدولة نظرياً عندهم هي جهاز إداري محايد بريء،و الدين والرسالة شأن فردي. وكذلك قولهم في الاقتصاد،فلا علاقة للدولة به من الناحية النظرية،فالدولة المدنية دولة تحكم و لا تملك ولا تتدخل في الاقتصاد،إذ هو شأن فردي، إذاً عندما تخلت الدولة عن ملكية الدولة و الملكية العامة  التي تشمل النفط والغاز  والحديد و الصلب و الثروات الطبيعية الهائلة والصناعات الحربية الضخمة وتخلت عن مسؤوليات الطب و التعليم و غيرها التي تقدم للناس، لمن ذهبت تلك الملكيات و تلك المسؤوليات،إنها لم تذهب إلى الأفراد، بل ذهبت إلى الشركات الرأسمالية،التي تعاظمت و تطاولت طبيعياً في مناخ الدولة المدنية باقتصاد سوقها و نظام شركاتها ،حتى صارت الشركة هي التي تحكم الدولة،و صار الرأسماليون هم الحكام الحقيقيون بيدهم الدولة و بيدهم قرار السلم و الحرب،و أمريكا مثال بين على ذلك.فلا وجود لدولة مدنية خارج هيمنة الشركات الرأسمالية في العالم كله و السبب يعود لنفس الدولة المدنية.

    الدولة المدنية انسحبت من مسؤولياتها و ملكيتها لصالح الشركة،فغدت الشركة هي الحاكم  الفعلي في داخل الدولة المدنية،حتى تجاوزت الشركة حدود الدولة المدنية طبيعياً، فنشرت جبروتها الاستعماري على العالم،و جرت الدولة معها و جندتها لأجل مصالحها،فكل حروب أمريكا مثلاً هي حروب لصالح الشركات الأمريكية،و لكنها حروب مغلفة بالعلم الأمريكي.

     فالشركة لما سحبت الدولة المدنية يدها سيطرت على العالم،فكوستاريكا مثلاً دولة فقيرة تشتهر بزراعة الموز. وفي عام 1997م قررت شركة إنتل الأمريكية (وهي أكبر شركة لإنتاج شرائح الكمبيوتر) افتتاح مصنع لها هناك. واليوم توسعت أعمال الشركة لدرجة أصبحت تتحكم في 37% من صادرات كوستاريكا،فهذا يوضح مدى النفوذ الذي  تملكه هذه الشركات على سيادة الدولة والتوجه السياسي فيها.

    وشركة إنتل مجرد نموذج،فميزانية أكبر عشر شركات عالمية تتجاوز ميزانية أصغر مائة دولة في الأمم المتحدة! وأكبر 500شركة عالمية تسيطر على 44% من ثروات الأمم!!

     في الحقيقة قد لا نحتاج لوقت أطول للتأكد من سطوة تلك الشركات؛ فمن الملاحظ أن الشركات  فاقت دول العالم في كل المجالات، وأصبحت المسير الحقيقي للدولة المدنية ،و الفضل بذلك يعود لانسحاب الدولة من مسؤولياتها وملكيتها.و عليه فالطبيعة الاستعمارية جذورها في مفاهيم الدولة المدنية.

وفي الخلاصة نقول: الدولة المدنية هي الدولة العلمانية بعينها، وهي مرفوضة شرعاً، وإن الصراحة الوضوح في رفضها واجب، كما هو في كل المفاهيم، كي يتمايز الحق عن الباطل، وكي تبرز حقيقة الصراع،بأنه صراع بين كفر وإسلام، وكي تبرز هوية الأمة  ، بلا ميوعة ولامداجاة، فيعرف العدو من الصديق، ويعرف الفكر الإسلامي من الضديد. فبوضوح الفكر وصراحته يشتد جسم الأمة، وتزداد قوتها.

نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه،وأن يمن علينا بدولة إسلامية طاهرة نقية راشدة،على منهاج النبوة. اللهم آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.