صواريخ إيران البالستية: الرسائل والدلالات
انطلقت الصواريخ الإيرانية مستهدفة «داعش» في شرق سوريا، معلنة بأنها قد جاءت رداً على هجمات تنظيم الدولة في "الأحواز"، إلا أنّها إلى جانب ذلك، تحمل رسائل عدة في اتجاهات مختلفة، في الوقت الذي أقرّت الكثير من المصادر العسكرية الغربية بأنها كانت صواريخ عبثية بائسة سقطت جُلها بعيداً عن أهدافها، وبعضها سقط في الأراضي الإيرانية، فكانت هي نفسها أولى المستهدفين.
البيانات الإيرانية الصادرة على لسان المسؤولين والخبراء في الإعلام الإيراني، قالوا: إن المستهدف من الصواريخ هو "داعش" و"أميركا " و"إسرائيل" و "دول خليجية" بعينها، ولكن لا ندري كيف؟ وما مغزى الاستعراض الإيراني في هذا التوقيت؟ في الوقت الذي لم يصل سوى صاروخ واحد إلى هدفه، هذا إذا كان هناك هدف فعلاً.
بموازاة ذلك كرّرت واشنطن وتل أبيب التحذير بأن لدى ترام ونتنياهو رسالة واحدة إلى إيران: "لا تهدّدونا". أما التصريحات الواردة من تل أبيب فتقول: «إننا نتابع طوال الوقت النشاطات الإيرانية، بما في ذلك محاولاتها التمركز في سوريا ونقل السلاح إلى حزب الله، وأيضاً نشاطات أخرى مزعزعة للاستقرار، وأن على إيران ألا تستغلّ الظروف الحالية لتعزيز وجودها». ولفت إلى أنّ "إسرائيل" تتابع بدقة كل ما يصدر من مواقف وتصريحات من إيران، في موازاة متابعة نشاطها في المنطقة، وأنها مستمرة في مواجهته"
فحدث إطلاق الصواريخ الإيرانية ليس استثنائياً، لأن دول المنطقة باتت تدرك أن هذه الصواريخ، ودعم طهران للإرهاب هي أدوات إيران الرئيسية التي تتوسل بها.
لكن دعونا نحلّل عمليّة إطلاق الصواريخ الإيرانية، وفهم تداعيات هذه الخطوة على المنطقة، كما جاء مصادر إيرانية، فقد أطلقت مجموعة من الرسائل على وسائل الإعلام الفارسية لتؤكد أولاً: بأن إطلاق الصواريخ من مسافة تزيد على 600 كيلومتر، لا تستثني "إسرائيل"، من جملة الرسائل التي حملتها القيادة الإيرانية لصواريخها، على اعتبار أنها إشارة تحذيرية لإسرائيل، وكذلك إلى الدول الخليجية، وأيضاً إلى الولايات المتحدة. ولفتت إلى أنّ «عرض القوّة الإيرانية» هو الذي يمنحها الهيبة وقوّة الردع وإبراز نفسها كقوّة إقليميّة عُظمى. لتشبيه نفسها بروسيا والولايات المتحدة، اللتين أطلقتا صواريخ دقيقة من هذه المسافات في إطار الحرب في سوريا على وجه التحديد. لقد شدّد العسكر في إيران على أن إطلاق الصواريخ من هذه المسافات يمنحها مكانة وهيبة، حيث ينبغي لهذه الخطوة أن تثير قلقاً واهتماماً كبيرين في إسرائيل، لأن من يملك القدرة على أن يصيب بالصواريخ من غرب إيران أهدافاً في شرق وشمال سوريا، قادر بواسطة هذه الصواريخ على أن يضرب أهدافاً أخرى في "إسرائيل"، وهو ما تحاول طهران الترويج له. فتشدّد طهران على أن الضربة الإيرانية جاءت نتيجة لضرورات عسكرية وسياسية على حد سواء، الأمر الذي يدفع إلى الاعتقاد بأنها رسالة إلى من يعنيه الأمر، وفي مقدمتهم "إسرائيل"، وكذلك الولايات المتحدة والدول الخليجية، أي أنها رسالة تتخطّى في أبعادها مجرّد محاربة تنظيم داعش، هذه هي الرسالة الأولى كما تقول إيران، ولكن ما مدى قدرة إيران على إرسال الرسالة الثانية، وسط هذا " العطر الاعلام " الإيراني غير المسبوق. صحيفة «جمهوري السلامى» المحسوبة على المرشد أشارت إلى أن «الخطوة الإيرانية رسالة إلى الأعداء، وأن إيران جاهزة لحفظ مصالحها الإستراتيجية في المنطقة بأي ثمن، وأنّ الرسائل ستتوالى تباعاً، وتوقفت أمام ما سمّته «نقطتين أساسيتين»:
أولها: استمرار إيران في الحفاظ عن مصالحها، والدفاع عن أمنها القومي.
والثانية: أنها ماضية في حفظ نظام بشار الأسد مهما كلف الأمر. فالواضح من هذه المقاربة الإيرانية، وفي مقدمتها الموقف التحذيري المعبّر فعلياً عن قلق ليس على أمنها فحسب، بل على بشار الأسد ونظامه، وكأنها تشتم رائحة صفقة أميركية روسية بخصوص إزاحة بشار الأسد، فإيران مستعدّة لبذل الغالي والنفيس من أجل الحفاظ على ما حققته في سورية.
فإيران ترى بأن الضربة الصاروخية الإيرانية ستشكّل نقطة تحوّل في المعادلات العسكرية على مستوى المنطقة، نظراً لما سيتبعها، وأنها باتت مصمّمة على استخدامها والذهاب بها بعيداً أكثر ممّا يَتصوّر أعداؤها في المنطقة، وبخاصة فيما يتعلق بأمنها القومي. كذلك فإنها أعطت مؤشراً فعلياً وملموساً حول مستقبل التطورات في الساحتين العراقية والسورية. وكلّ ذلك سيكون حاضراً في مفاعيله وتداعياتها، ليؤثّر على رؤية "أعدائها" في الحريق الإيراني، وذلك استباقاً للوجبة الثانية من العقوبات الأميركية التي سيجري فرضها في 4 نوفمبر من هذا العام، وما سيتبعه من إجراءات عملية لتحجيم نفوذ إيران في المنطقة، ومحاصرة مشروعها، لنرى ونتابع ونترقّب ما هي رسالة إيران الثانية؟.
وسوم: العدد 792