اتفاق سوتشي أم اتفاق اسطنبول؟!
المفاوضات الماراثونية التي تعقدها الفصائل الثورية السورية في اسطنبول مع القيادة التركية بشأن اتفاق سوتشي، الذي وقعه الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتن، تكشف عن حقيقة أن اتفاق اسطنبول سيكون أهم من اتفاق سوتشي، نظراً لكونه أحبط مخططاً جهنمياً للإيقاع بين الفصائل الثورية والحليف التركي أولاً، بالإضافة إلى تعزيزه تجنيب المناطق المحررة حملة إبادة عالمية بتنفيذ روسي، لكن الاعتراض كان على مبدأ قتل المدنيين بالكيماوي أو بغيره، أما القضاء على مهد الثورة فلم يكن محل خلاف. الفصائل الثورية كلها بمن فيها على ما يبدو وظهر حتى الآن هيئة تحرير الشام، وافقت على تطبيق اتفاق سوتشي، ولكن ربما بتعديلات على الأرض، إذ تراهن القوى الثورية على عدم جدية العصابة الطائفية وسدنتها الذين تغذوا على الدم والقتل والتشريد لعقود، لكن الحليف التركي بدا واثقاً هذه المرة من نفسه ومن ضماناته، التي شفّعها على الأرض بالدفع بتعزيزات عسكرية غير مسبوقة ومدججة بالأسلحة الثقيلة، وتحليق للطيران الروسي فوق إدلب، وقدم الحليف التركي للثورة والثوار تعهداته بأنه سيقاتل إلى جانبهم في حال خرقت العصابة الطائفية الاتفاق، وسعت إلى تجاوزه، والتعدي على المناطق الثورية. لا شك أن ما تم التوصل إليه في سوتشي لا يلبي طموحات الثورة والثوار ولا حتى طموحات الحليف التركي، ولكن في النهاية السياسة هي فن الممكن وفن إصلاح الراعي والرعية وتجنيبهما الويلات، وإلاّ فإن أي تحد للفصائل الثورية للاتفاق سيعني إبادة عالمية للمناطق المحررة، وزرع الشقاق والخلاف مع الحليف التركي الوحيد، الذي سعى جاهداً إلى تأمين غطاء دولي وأممي للاتفاق في مجلس الأمن الدولي، لكن لم يتمكن من ذلك، فالتف الرئيس التركي على ذلك بتأكيده في خطابه بالجمعية العمومية على أن بشار الأسد لن يكون جزءاً من العملية السياسية، وترافق ذلك مع التحرك التركي العسكري لتأمين مناطق شرق الفرات، وهو ما سيقضم من وهم سيطرة العصابة الطائفية على الأراضي السورية. التحدي اليوم أمام الفصائل الثورية هو بالتلاحم مع بعضها، والتنسيق مع الحليف التركي من أجل تجنيب المنطقة وما بعدها -وأعني هنا تركيا نفسها- خطر التهديد إن تمكنت الميليشيات الطائفية من الاقتراب من الحدود التركية، ولذا فإن تقديم أنموذج مدني وعمراني وحياتي مميز في الشمال المحرر سيكون أكبر انتقام من المحتلين وعملائهم، الذين لا يجيدون إلا لعبة الدمار والخراب والقتل والتشريد، بينما الحليفة تركيا معروفة على المستوى العالمي بازدهارها الاقتصادي، وتطورها، وعمرانها، وقدرتها على البناء، وبالتالي قادرة على تقديم أنموذج متميز في الشمال المحرر من حيث الإدارة الناجحة، والتطوير العمراني. ليس أمام الثوار إلا تعظيم الاتفاقيات والتوحدات فيما بينهم، وليس أمامهم إلا رصّ الصفوف وتفويت الفرصة على أعدائنا جميعاً، مع أخذ الحذر والانتباه لخطر الغدر الذي هو من شيمة أعدائنا، فالرهان الثوري والتركي اليوم في الشمال المحرر على إبقاء الشوكة الثورية المسلحة لحماية المدنيين وحماية الأرض الثورية، وهو مكسب كبير للثورة في ظل تآمر عالمي عليها، لتجريد الثورة والضحية من سلاحها الاستراتيجي، أملاً في انتظار وتريث الثورة والثوار لمرحلة تاريخية جديدة ينشغل فيها أعداؤنا بأنفسهم أو ببعضهم، فالوضع الاقتصادي الروسي في غاية الصعوبة، لا سيما خلافاته مع الأوربيين والأميركيين، وهناك العقوبات الأميركية على إيران المتوقع تطبيقها في نوفمبر المقبل، والوضع الإيراني الداخلي الصعب للغاية، وتراجعهم على الساحة السورية، مع العزلة الأميركية الدولية التي نشهدها الآن، بالإضافة إلى الوضع الداخلي المترهل للعصابة الطائفية، كل هذه رهانات على الثورة والثوار مراقبتها، مع التهيؤ الذاتي لمرحلة بناء مؤسسات وتعزيز قدرات عسكرية وكسب حاضنة اجتماعية، وتقوية العلاقة مع الحليف التركي الوحيد في المنطقة اليوم، وكما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «إن هذه الحرب لا يصلح لها إلاّ الرجل المكيث».
وسوم: العدد 793