ما الفرق بين المسلم الملتزم .. والمسلم المتحلل ؟
ثمة أناس كثيرون .. ومنذ زمن ليس بالبعيد .. يستخدمون مصطلح ( إسلامي ) للإشارة على تميزه عن المسلم .. بسبب نشاطه .. وحركته .. وربما بسبب ارتباطه بجماعة إسلامية منظمة ..
في الحقيقة .. لا أجد مبررا شرعيا .. لاستخدامه البتة ..
لأن مسلم وإسلامي شيء واحد .. لا اختلاف بينهما ..
فالأول : اسم فاعل لأسلم .. والثاني مصدر لنفس الفعل أسلم .. والاثنان يُعربان صفة ..
فحينما نقول مثلا : الأمة الإسلامية .. أو الأمة المسلمة .. فالمعنى واحد .. والإعراب لكليهما صفة ..
هذا من الناحية اللغوية .. النحوية ..
أما من الناحية الشرعية .. فلم يرد في القرآن أو السنة مصطلح إسلامي البتة ..
وإنما ورد مصطلح المسلم في القرآن .. في صيغة المفرد والمثنى والجمع مثل قوله تعالى (مَا كَانَ إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّٗا وَلَا نَصۡرَانِيّٗا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفٗا مُّسۡلِمٗا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ) ..
والحديث المشهور في صحيح البخاري (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ) ..
ولذلك ..
فإني أرفض استخدامه .. وأصر على المحافظة على المصطلح الأصلي الرباني .. النبوي .. مع إضافة وصف .. للتمييز بين الملتزم والمتحلل .. وإعطاء معنى أوسع .. وأشمل لكل منهما ..
وأطالب جميع المسلمين بالإقلاع عن استخدام ( إسلامي ) .. واستخدام المصطلح الشرعي الأساسي .. الذي وضعه رب العالمين .. مع إضافة الصفة المذكورة في العنوان للتمييز بين صنفين من المسلمين ..
الصنف الأول : المسلم الملتزم ..
وهو الذي يسير على منهاج النبوة والصحابة .. ويطبق كل الأفكار .. والقيم .. والمبادئ التي جاء بها الإسلام .. تطبيقا قوليا .. وعمليا .. وحرفيا .. وروحيا .. ويتشرب دمه .. وقلبه .. وعقله .. وسلوكه .. وأفعاله .. بالإسلام .. ويصبغ حياته كلها بالإسلام ..
( صِبۡغَةَ ٱللَّهِ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبۡغَةٗۖ وَنَحۡنُ لَهُۥ عَٰبِدُونَ ) ..
فلا يفكر إلا بالإسلام .. ولا يعمل إلا لأجل الإسلام .. ولا يتكلم إلا بالإسلام .. وليس له هم إلا تنفيذ ما يريده الله منه.. مع مراقبة شديدة له .. في كل حركاته .. وسكناته .. وتنقلاته .. فلا يأتي عملا يغضب الله .. لا في سره ولا في علانيته ..
وأهدافه .. وغاياته .. ووسائله .. كلها إسلامية صرفة .. دون زيادة أو نقصان .. ودون تنطع .. ولا تشدد .. ولا مغالاة .. ولا إفراط .. ولا تفريط .. ولا تساهل في تطبيق شرع الله .. بحيث يصبح وكأنه .. قرآن يتحرك على الأرض ..
وأهم صفات المسلم الملتزم .. والتي تجعله مختلفا عن غيره من المسلمين ..
هي ..
1- الاعتراف بالوحدانية الخالصة لله تعالى .. والتي هي تطبيق عملي .. وروحي .. وفكري .. لشهادة أن ( لا إله إلا الله ) .. والتي تُعتبر الخطوة الأولى .. في الدخول في الإسلام .. كما أنها تعني أنه لا معبود بحق إلا الله وحده .. ونفي .. وإنكار أي إله آخر .. وأن تكون العبادة خالصة له وحده .. وبالطريقة التي أمر بها .. بحيث لا يشوبها أي شرك خفي أو علني .. مثل طاعة مخلوق في معصية الخالق ..
2- والإقرار بأن لله الحق كل الحق .. في أن يكون هو الحاكم الأعلى .. في شؤون المسلمين جميعها .. بدء من السياسة الحكومية في كل الوزارات .. وانتهاء بشؤون البيت الخاصة .. وهو صاحب السلطان الأعلى .. ولا معقب لحكمه ..
( إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ) ..
فهو تعالى .. المالك الحقيقي .. لكل من يدب على وجه الأرض ..
والعباد لا يملكون شيئا .. فهم الفقراء .. المحتاجون له ..
( يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ ) ..
فلا دستور يُشرع للناس لينظم شؤون حياتهم .. إلا أن يكون مأخوذا من القرآن والسنة النبوية والخلفاء الراشدين حصرا ..
كما أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك ( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ النَّاسَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، فَقَالَ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ ، فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا : كِتَابَ اللَّهِ ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ ") .
(عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ) ...
3- العبودية الخالصة .. المحضة لله تعالى .. والتزام كلي .. وتام لأوامره .. ونواهيه .. مع انصياع كامل لقضائه وقدره .. خيره وشره .. دون اعتراض .. ولا احتجاج .. ولا تسخط ..
4- المراقبة الشديدة لله تعالى في جميع التصرفات والأفعال والأقوال .. بحيث لا تصدر ولا تُمارس إلا بعد التأكد يقينا .. أنها متوافقة مع شرع الله .. ومرضية له تعالى ..
5- التوافق ما بين الأقوال والأفعال بانسجام تام .. بدون أي تعارض أو تناقض .. بحيث تكون الأفعال تُصدق الأقوال ولا تعاكسها ..
6- التواؤم .. والتطابق في العمل بين السر والعلن .. فما يظهره للناس من تقى وصلاح وورع .. يبقى كما هو في السر .. ولا يجترئ على الله بارتكاب الموبقات والمنكرات .. بحجة أنه لا يراه أحد من العباد ..
الصنف الثاني : المسلم المتحلل :
هو الذي تَجَرد .. وتَخَلص .. وخَلَع .. وتَعَرى من الالتزام الكامل بالعبودية الحقة لله تعالى .. فهو يعبد الله على هواه .. وعلى مزاجه .. وعلى ما يحقق شهواته .. ومصالحه ..
( فَإِن لَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيۡرِ هُدٗى مِّنَ ٱللَّهِۚ ).
كما يعبده على حرف .. فإن جاءه خير من الله .. استمر في عبادته .. وإن جاءه شر .. انقلب على وجهه .. وأصبح معاديا لله ..
( وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفٖۖ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَيۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةَۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِينُ ) ..
ولهذا الصنف درجات كثيرة جدا .. ليسوا سواء ..
منهم من ينحرف عن الطريق المستقيم بضع درجات قليلة .. وبعضهم درجات كثيرة ..
مثل :
1- من يلتزم بأوامر الإسلام ظاهريا .. وقد يكون له لحية طولها عشرة أمتار .. ويدعو إلى الإسلام .. غير أنه يوالي الحكام الظلمة الفجرة .. الذين لا يحكمون بشرع الله .. ويؤيدهم ويدعو لهم على المنابر ..
2- الصوفيون والعلماء والمشايخ .. ومن ينكبون على العلوم الشرعية ليتفقهوا بها .. غير أنهم لا يهمهم من يحكمهم .. ولا ينكرون عليهم أنهم يحكمون بغير شرع الله ..
3- ممارسة الكذب والغش والخداع والرشوة ..
4- ممارسة الأفعال السيئة .. الغيبة والنميمة .. وايذاء الناس .. بالسب والشتم والسخرية والاستهزاء .. والتنابز ( التعاير ) بالألقاب ..
5- أكل المال الحرام بكل الوسائل .. بالربا والسرقة والاحتيال ..
6- ممارسة الزنا وشرب الخمر والغناء والتعري والاختلاط .. والانهماك في التمتع بالشهوات والملذات الحرام ..
7- ومنهم من ينحرف 180 درجة .. ولا يبقى له من الإسلام إلا الاسم فقط ..
مثل العلمانيين واليساريين والشيوعيين .. والمنكرين للسنة النيوية .. وأضرابهم .. فكلهم سواء ..
والغريب .. العجيب أنه إذا قيل لهم أنتم كافرين : غضبوا واحمرت وجوههم .. وأرعدوا وأزبدوا وقالوا : بل نحن مسلمون ..
وإذا سألتهم عن تصورهم للإسلام ؟؟؟!!!
وجدته .. تصورا هزيلا ومختلا ومضطربا ..
فهو في نظرهم عبارة عن طقوس تعبدية فقط ..
أما منهج الحياة ونظامها بجميع فروعه .. فهو من اختصاص آلهة أخرى من العبيد ..
ويحاربون بضراوة لأجل فصل الدين عن الحياة .. وعن الدولة .. وعزله في المسجد فقط !!!
غير أنهم يريدون من الله .. أن يغمرهم بنعمه المتعددة .. ويعترفون بأنها من الله .. ولكنهم لا يشكرونه !!!
وإذا أصابهم الضر .. أو تتالت عليهم المصائب ..
عجوا .. وجأروا إلى الله .. ورفعوا أكفهم إليه يطلبون منه الفرج .. ويتعهدون بالسير على طريقه .. فإذا ما رفع عنهم البلاء .. رجعوا إلى كفرهم وغوايتهم .. ونسوا عهدهم .. ونكثوا وعدهم ..
( وإِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فِي ٱلۡبَحۡرِ ضَلَّ مَن تَدۡعُونَ إِلَّآ إِيَّاهُۖ فَلَمَّا نَجَّىٰكُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ أَعۡرَضۡتُمۡۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ كَفُورًا ) ..
وسوم: العدد 794